عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ١٠٣
ولو أستطيع أن أرد أمر النبي صلى الله عليه وسلم لرددته وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه غير أمرنا هذا..
تعلق هذا الحديث بالباب المترجم من حيث ما آل أمر قريش في نقضهم العهد من الغلبة عليهم والقهر بفتح مكة فإنه يوضح أن مال الغدر مذموم، ومقابل ذلك ممدوح.
وعبدان قد مر غير مرة، وأبو حمزة، بالحاء المهملة وبالزاي: وهو محمد بن ميمون السكري، والأعمش هو سليمان، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وسهل ابن حنيف بن واهب الأنصاري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن عبدان أيضا وعن موسى بن إسماعيل، وفي الخمس عن الحسن بن إسحاق وفي التفسير عن أحمد بن إسحاق وأخرجه مسلم في المغازي عن جماعة والنسائي في التفسير عن أحمد بن سليمان.
قوله: (صفين)، بكسر الصاد المهملة وتشديد الفاء، وهو اسم موضع على الفرات وقع فيه الحرب بين علي ومعاوية وهي وقعة مشهورة. قوله: (اتهموا رأيكم)، قال ذلك يوم صفين، وكان مع علي، رضي الله تعالى عنه، يعني: اتهموا رأيكم في هذا القتال، يعظ الفريقين، لأن كل فريق منهما يقاتل على رأي يراه واجتهاد يجتهده، فقال لهم سهل: اتهموا رأيكم فإنما تقاتلون في الإسلام إخوانكم برأي رأيتموه، وكانوا يتهمون سهلا بالتقصير في القتال، فقال: اتهموا رأيكم، فإني لا أقصر، وما كنت مقصرا في الجماعة كما في يوم الحديبية. قوله: (رأيتني)، أي: رأيت نفسي يوم أبي جندل، بفتح الجيم وسكون النون، واسمه: العاص بن سهل وإنما نسب اليوم إليه ولم يقل: يوم الحديبية، لأن رده إلى المشركين كان شاقا على المسلمين، وكان ذلك أعظم عليهم من سائر ما جرى عليهم من سائر الأمور، وكان أبو جندل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من مكة مسلما وهو يجر قيوده، وكان قد عذب على الإسلام، فقال سهل والده: يا محمد! هذا أول ما أقاضيك عليه. فرد عليه أبا جندل وهو ينادي: أتردونني! إلى المشركين وأنا مسلم، وترون ما لقيت من العذاب في الله؟ فقام سهل إلى ابنه بحجر فكسر قيده، فغارت نفوس المسلمين يومئذ حتى قال عمر، رضي الله تعالى عنه: ألسنا على الحق؟ فعلى ما نعطي الدنية؟ على وزن فعيلة، أي: النقيصة والخطة الخسيسة، أي: لم نرد أبا جندل إليهم ونقاتل معهم ولا نرضى بهذا الصلح؟ قوله: (فلو أستطيع أن أرد أمر النبي صلى الله عليه وسلم) أشار بهذا الكلام إلى جواب الذي اتهموه بالتقصير في القتال يوم صفين، فقال: كيف تنسبونني إلى التقصير؟ فلو كان لي استطاعة على رد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، يوم الحديبية لرددته، ولم يكن امتناعي عن القتال يومئذ للتقصير، وإنما كان لأجل أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بالصلح. قوله: (وما وضعنا أسيافنا...) إلى آخره. يعني: ما جردنا سيوفنا في الله لأمر يفظعنا من أفظع بالفاء والظاء المعجمة والعين المهملة. قال ابن فارس: فظع وأفظع لغتان، يقال: أمر فظيع أي: شديد علينا، إلا أسهلت بنا إلى أمر نعرفه غير أمرنا هذا، يعني: أمر الفتنة التي وقعت بين المسلمين، فإنها مشكلة حيث حلت المصيبة بقتل المسلمين، فنزع السيف أول من سله في الفتنة.
2813 حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا يزيد بن عبد العزيز عن أبيه قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت قال حدثني أبو وائل قال كنا بصفين فقام سهل ابن حنيف فقال أيها الناس اتهموا أنفسكم فإنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ولو نرى قتالا لقاتلنا فجاء عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل فقال بلى فقال أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال بلى قال فعلى ما نعطي الدنية في ديننا أنرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم فقال ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا فانطلق عمر إلى أبي بكر فقال له مثل ما قال للنبي صلى الله عليه وسلم فقال
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»