عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ٩٢
يزيد، قال: سمعت أبا أيوب، رضي الله تعالى عنه، يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: غدوة في سبيل الله، أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت. وأخرج البزار وأبو يعلى الموصلي في (مسنديهما) من رواية عمرو بن صفوان عن عروة بن الزبير عن أبيه قال قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها. وقال الذهبي: صفوان بن عمرو لا يعرف، وأخرج البزار في (مسنده) من رواية الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال... فذكره، وفي إسناده يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف. وأخرجه أحمد في (مسنده) والطبراني في (الكبير) من حديث أبي أمامة، رضي الله تعالى عنه، مطولا، وفيه: والذي نفسي بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة. وإسناده ضعيف.
قوله: (لغدوة) مبتدأ تخصص بالصفة وهو قوله: (في سبيل الله)، والتقدير: لغدوة كائنة في سبيل الله. قوله: (أو روحة)، عطف عليه، وكلمة: أو، للتقسيم لا للشك. قوله: (خير)، خبر المبتدأ واللام في: لغدوة، لام التأكيد. وقال بعضهم: للقسم، وفيه نظر. وقال المهلب: معنى قوله: (خير من الدنيا) أن ثواب هذا الزمن القليل في الجنة خير من الدنيا كلها، وكذا قوله: لقاب قوس أحدكم، أي: موضع سوط في الجنة، يريد ما صغر في الجنة من المواضع كلها من بساتينها وأرضها، فأخبر أن قصير الزمان وصغير المكان في الآخرة خير من طويل الزمان وكبير المكان في الدنيا تزهيدا وتصغيرا لها وترغيبا في الجهاد إذا بهذا القليل يعطيه الله في الآخرة أفضل من الدنيا وما فيها، فما ظنك بمن أتعب فيه نفسه وأنفق ماله. وقال غيره: معنى (خير من الدنيا...) ثواب ذلك في الجنة خير من الدنيا، وقيل: خير من أن يتصدق بما في الدنيا إذا ملكها، وقيل: إذا ملك ما في الدنيا وأنفقها في وجوه البر والطاعة غير الجهاد، وقال القرطبي: أي الثواب الحاصل على مشية واحدة في الجهاد خير لصاحبه من الدنيا وما فيها لو جمعت له بحذافيرها، والظاهر أنه لا يختص ذلك بالغدو والرواح من بلدته، بل يحصل هذا حتى بكل غدوة أو روجة في طريقه إلى الغد، وقال النووي: وكذا غدوة ورواحه في موضع القتال، لأن الجميع يسمى غدوة وروحة في سبيل الله.
3972 حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا محمد بن فليح قال حدثني أبي عن هلال بن علي عن عبد الرحمان بن أبي عمرة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقاب قوس في الجنة خير مما تطله عليه الشمس وتغرب. وقال لغدوة أو روحة في سبيل الله خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب.
.
مطابقته للجزء الأول من الترجمة في قوله: (لغدوة أو روحة في سبيل الله) وللجزء الثاني في قوله: (لقاب قوس في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب)، ومضى الكلام في محمد بن فليح وأبيه هلال بن علي عن قريب في الباب السابق، و عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري النجاري قاضي أهل المدينة، واسم أبي عمرة: عمرو بن محصن، ورجال هذا الإسناد كلهم مدنيون.
قوله: (لقاب قوس)، مبتدأ. قوله: (في الجنة) صفة قوس. وقوله: (خير) خبر المبتدأ، واللام في: لقاب، للتأكيد، وكذلك في: لغدوة. قوله: (خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب)، هو معنى قوله: خير من الدنيا وما فيها، وهذا منه، صلى الله عليه وسلم، إنما هو على ما استقر في النفوس من تعظيم ملك الدنيا، وأما التحقيق: فلا تدخل الجنة مع الدنيا تحت أفعل إلا كما يقال: العسل أحلى من الخل.
4972 حدثنا قبيصة قال حدثنا سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها.
(الحديث 3972 طرفه في: 3523).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وقبيصة، بفتح القاف وكسر الباء الموحدة: ابن عقبة، وقد تكرر ذكره، وسفيان هو الثوري، وأبو حازم، بالحاء المهملة وبالزاي واسمه: سلمة بن دينار المدني، وأبو حازم الذي روى عن أبي هريرة: سلمان الكوفي.
والحديث أخرجه مسلم في الجهاد أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب. وأخرجه النسائي عن عبدة بن عبد الله
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»