عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ٥٩
مال اليتيم، فإن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، وإذا إيسرت قضيت. وقال الفقهاء: له أن يأكل أقل الأمرين أجرة مثله، أو قدر حاجته. واختلفوا: هل يرد إذا أيسر؟ على قولين، عند الشافعية: أحدهما: لا، لأنه أكل بأجرة عمله، وكان فقيرا، وهذا هو الصحيح عندهم، لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل، وقال ابن وهب: حدثني نافع بن أبي نعيم القاري: قال: سألت يحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة عن قول الله تعالى: * (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) * (النساء: 6). قالا: ذلك في اليتيم إن كان فقيرا أنفق عليه بقدر فقره، ولم يكن للولي منه شيء، وذكر ابن الجوزي أن هذه الآية محكمة، وقيل: منسوخة بقوله: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * (البقرة: 881). ولا يصح ذلك، قلت: القائل بأنها منسوخة زيد بن أسلم. قوله: * (فأشهدوا عليهم) * (النساء: 6). يعني: بعد بلوغهم الحلم وإيناس الرشد، والإشهاد من باب الندب خوف الإنكار منهم، وقيل: إن الإشهاد من باب الندب خوف الإنكار منهم، وقيل: إن الإشهاد منسوخ بقوله: * (وكفى بالله حسيبا) * (النساء: 6). أي: شهيدا أو كافيا من الشهود، وهذا قول أبي حنيفة: إن القول قول الوصي في الدفع، وقيل: معناه: عالما، وقيل: محاسبا، وقيل: مجازيا والباء في: كفى بالله، صلة، و: حسيبا، منصوب على الحال. وقيل: على التمييز. قوله: * (للرجال نصيب) * (النساء: 7). قال سعيد بن جبير وقتادة: كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئا، فأنزل الله: * (للرجال نصيب) * (النساء: 7). وفي (خلاصة البيان): مات أوس بن ثابت الأنصاري وترك ثلاث بنات وامرأة، فقام رجلان من بني عمه، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا، فجاءت امرأته إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك، فنزلت هذه الآية، وكانوا يورثون الرجال ممن طاعن بالرمح وحاز الغنيمة، فأبطل الله ذلك، فأرسل النبي، صلى الله عليه وسلم إليهما، (وقال: لا تفرقا من مال أوس شيئا. فإن الله جعل لبناته نصيبا). ولم يبين كم هو: حتى أنظر ما ينزل فيهن، فأنزل الله تعالى: * (يوصيكم الله) * (النساء: 11). الآية، قال الذهبي: أم كجة زوجة أوس بن ثابت، فيها نزلت آية المواريث، وقال أيضا: قتل أوس يوم أحد، رضي الله تعالى عنه، قوله: * (مما قل منه أو كثر) * (النساء: 6). أي: الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى، يستوون في أصل الوراثة إن تفاوتوا بحسب ما فرض الله لكل واحد منهم بما يدلي به إلى الميت من قرابة أو زوجة أو ولاء، فإنه لحمة كلحمة النسب. قوله: (مفروضا) أي: مقدرا، قوله: (حسيبا) يعني: كافيا، كذا وقع في الأكثرين، وسقط لفظ: يعني، في رواية أبي ذر.
((باب وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته)) في بعض النسخ باب ما للوصي... إلى آخره، وفي رواية الأكثرين: وما للوصي، وفي رواية أبي ذر: وللوصي أن يعمل... إلى آخره، بدون كلمة: ما، ورواية أبي ذر تدل على أن: ما، غير نافية، لأن الوصي له البيع والشراء في مال اليتيم بمال يتغابن الناس في مثله، ولا يجوز بما لا يتغابن الناس، لأن الولاية نظرية ولا نظر فيه، ولا يتجر في مال اليتيم، لأن المفوض إليه الحفظ دون التجارة. قوله: (بقدر عمالته)، بضم العين المهملة وتخفيف الميم، وهي رزق العامل، أي: بقدر حق سعيه وأجر مثله.
4672 حدثنا هارون قال حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم قال حدثنا صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن عمر تصدق بمال له على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم وكان يقال له ثمغ وكان نخلا فقال عمر يا رسول الله إني استفدت مالا وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به فقال النبي صلى الله عليه وسلم تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولاكن ينفق ثمره فتصدق به عمر فصدقته ذالك في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل ولذي القرباى ولا جناح علي من وليه أن يأكل منه بالمعروف أو يوكل صديقه غير متمول به.
.
قيل: وجه مطابقة الحديث للترجمة من حيث إن البخاري شبه الوصي بناظر الوقف، ووجه الشبه أن النظر للموقوف عليهم من الفقراء وغيرهم كالنظر لليتامى، ورد عليه بأن حديث ابن عمر هذا غير مطابق للترجمة، لأن عمر،
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»