عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ٤٣
أبي إسحاق الهمداني عن الحارث عن علي، رضي الله تعالى عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم: (قضى بالدين قبل الوصية وأنتم تقرأون الوصية قبل الدين)، وأخرجه أحمد أيضا ولفظه: عن علي بن أبي طالب قال: قضى محمد صلى الله عليه وسلم (أن الدين قبل الوصية...) الحديث، وهذا إسناده ضعيف لأن الحارث هو ابن عبد الله الأعور، قال ابن أبي خيثمة: سمعت أبي يقول: الحارث الأعور كذاب، وقال أبو زرعة: لا يحتج بحديثه، وقال ابن المديني: الحارث كذاب. فإن قلت: ليست من عادة البخاري أن يورد الضعيف في مقام الاحتجاج به. قلت: بلى، ولكن لما رأى أن العلماء عملوا به، كما قال الترمذي عقيب الحديث المذكور، والعمل عليه عند أهل العلم، اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه.
وقوله * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * (النساء: 85). فأداء الأمانة أحق من تطوع الوصية وقوله، بالجر عطفا على: قول الله تعالى، المجرور بإضافة التأويل إليه، وذكر هذه الآية في معرض الاحتجاج في جواز إقرار المريض للوارث، وهذا بمعزل عن ذلك على ما لا يخفى على أحد، والآية نزلت في عثمان بن طلحة، قبض النبي، صلى الله عليه وسلم، مفتاح الكعبة فدخل الكعبة يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدفع إليه المفتاح. ذكره الواحدي في (أسباب النزول) عن مجاهد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا صدقة إلا عن ظهر غنى أورد هذا أيضا في معرض الاحتجاج في جواز الإقرار للوارث. قال الكرماني: والمديون ليس بغني فالوصية التي لها حكم الصدقة تعتبر بعد الدين، وأراد بتأويل الآية مثله. انتهى. قلت: قوله: المديون ليس بغني، على إطلاقه لا يصح، والمديون الذي ليس بغني هو المديون المستغرق، وجعل مطلق المديون أصلا، ثم بناء الحكم عليه فيما ذهب إليه غير صحيح، وهذا التعليق مضى مسندا في كتاب الزكاة في: باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومضى الكلام فيه.
وقال ابن عباس: لا يوصي العبد إلا بإذن أهله ذكر هذا أيضا في معرض الاحتجاج، وفيه نظر. قال الكرماني: قوله: (بإذن أهله وأداء الدين الواجب عليه)، قلت: ينبغي أن تكون هذه المسألة على التفصيل، وهو أن العبد لا يخلو إما أن يكون مأذونا له في التصرفات أو لا، فإن لم يكن فلا تصح وصيته بلا خلاف، لأنه لا يملك شيئا، فبماذا يوصي؟ وإن كان مأذونا له تصح وصيته بإذن الولي إذا لم يكن مستغرقا بالدين وعلى كل حال الاستدلال بأثر ابن عباس فيما ذهب إليه لا يتم، وفيه نظر لا يخفى، ورواه ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن شبيب بن فرقد عن جندب، قال: سأل طهمان ابن عباس: أيوصي العبد؟ قال: لا، إلا بإذن أهله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم العبد راع في مال سيده قيل: لما تعارض في مال العبد حقه وحق سيده قدم الأقوى، وهو حق السيد، وجعل العبد مولى عنه، وهو أحد الحفظة فيه، فكذلك حق الدين لما عارضه حق الوصية والدين واجب والوصية تطوع وجب تقديم الدين فهذا وجه مناسبة هذا الأثر، والحديث للترجمة. انتهى. قلت: العبد لا يملك شيئا أصلا فكيف يثبت له المال؟ ثم كيف تثبت المعارضة بين حقه وحق سيده ولا ثمة حق للعبد؟ وقوله: فكذلك حق الدين لما عارضه حق الوصية... إلى آخره، ممنوع لأنه هو يمنع كلامه بقوله: والدين واجب والوصية تطوع فكيف تتوجه المعارضة بين الواجب والتطوع؟ ومع هذا فإن كان مراد البخاري بهذا وجوب تقديم الدين على الوصية فهذا لا نزاع فيه، وإن كان مراده جواز إقرار المريض للوارث فلا يساعده شيء مما ذكره في هذا الباب، والحديث الذي علقه ذكره مسندا في كتاب العتق في: باب كراهية التطاول على الرقيق.
0572 حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير أن حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»