عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ١٦٦
القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم.
.
قيل: بوب البخاري على غزوهن وقتالهن، وليس في الحديث أنهن قاتلن، فأما أن يريد إن إعانتهن للغزاة غزو، وإما أن يريد أنهن ما ثبتن للمداواة ولسقي الجرحى إلا وهن يدافعن عن أنفسهن. وهو الغالب، فأضاف إليهن القتال لذلك. قلت: كلا الوجهين جيد. ويؤيد الوجه الأول ما رواه أبو داود في (سننه) من حديث حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه: أنها خرجت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في غزوة خيبر... الحديث، وفيه: فخرجن نعزل الشعر ونعين في سبيل الله، ومعنا دواء الجرح وتناول السهام ونسقي السويق، فقال لهن خيرا حتى إذا فتح الله خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال... الحديث، فهذا فيه: نناول السهام، يعني للغزاة، والمناول للغازي أجره مثل أجر الغازي، كما للمناول السهم للرامي في غير الغزاة، وأجر المناول في الغزاة بطريق الأولى. ويؤيد الوجه الثاني ما رواه مسلم من حديث أنس: أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، فقالت: اتخذته إن دنى مني أحد من المشركين بقرت بطنه، فهذه أم سليم اتخذت عدة لقتل المشركين وعزمت على ذلك، فصار حكمها حكم الرجال المقاتلين، وذكر بعضهم حديث أبي داود المذكور وغيره مثله، ثم قال: ولم أر في شيء من ذلك التصريح بأنهن قاتلن. انتهى. قلت: التلويح يغني عن التصريح فيحصل به المطابقة على الوجه الذي ذكرناه، ثم قال هذا القائل: يحتمل أن يكون غرض البخاري بالترجمة أن يبين أنهن لا يقاتلن وإن خرجن في الغزو فالتقدير بقوله: وقتالهن مع الرجال، أي: هل هو سائغ أو إذا خرجن مع الرجال في الغزو ويقتصرن على ما ذكر من مداواة الجرحى ونحو ذلك. انتهى. قلت: لم يكن غرض البخاري هذا الاحتمال البعيد أصلا ولا هذا التقدير الذي قدره، لأنه خلاف ما يقتضيه التركيب، فكيف يقول: هل هو سائغ؟ بل هو واجب عليها الدفع إذا دنى منها العدو، وكما في حديث أم سليم فافهم.
ذكر رجاله وهم أربعة: الأول: أبو معمر، بفتح الميمين: اسمه عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد. الثاني: عبد الوارث بن سعيد. الثالث: عبد العزيز بن صهيب أبو حمزة. الرابع: أنس بن مالك.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث في ثلاثة مواضع. وفيه: العنعنة في موضع واحد. وفيه: القول في موضع واحد. وفيه: أن رجاله كلهم بصريون.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في فضل أبي طلحة وفي المغازي. وأخرجه مسلم في المغازي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن أبي معمر به.
ذكر معناه: قوله: (وأم سليم)، هي أم أنس بن مالك. قوله: (المشمرتان)، من التشمير، يقال: شمر إزاره إذا رفعه، وشمر عن ساقه وشمر في أمره أي: خفف، وشمر للأمر، أي: تهيأ له. قوله: (خدم سوقهما)، الخدم بفتح الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة: الخلاخيل، الواحد: خدمة، وقال ابن قرقول: وقد سمي موضعها من الساقين خدمة، وجمعه: خدام، بالكسر ويقال: سمي الخلخال خدمة لأنه ربما كان من سيور مركب فيه الذهب والفضة، والخدمة في الأصل: السير، والمخدم موضع الخلخال من الساق، ويقال: أصله أن الخدمة سير عليها مثل الحلقة تشد في رسغ البعير ثم تشد إليها شرايح نعله، فسمي الخلخال: خدمة لذلك، وقيل: الخدمة مخرج الرجل من السراويل، والسوق، بالضم جمع: ساق. قوله: (تنقزان)، من النقز، بالنون والقاف والزاي، وهو الوثب، وقال الداودي: معناه: بسرعان المشي كالهرولة. وقال غيره: معناه الوثوب، ونحوه في حديث ابن مسعود أنه: كان يصلي الظهر والخلائق تنقز من الرمضاء، أي: تثب، يقال: نقز ينقز من باب نصر ينصر، وقال الجوهري: نقز الظبي في عدوه ينقز نقزا ونقزانا أي: وثب، والتنقيز التثويب، وقال الخطابي: أحسب الرواية: تزفران، بدل: تنقزان، والزفر حمل القرب الثقال. قلت: مادته زاي وفاء وراء، قال الجوهري: الزفر، مصدر قولك: زفر الحمل يزفره زفرا أي: حمله، وأزفره أيضا، والزفر بالكسر الجمل، والجمع أزفار، والزفر أيضا القربة، ومنه قيل للإماء اللواتي يحملن القرب: زوافر، وقيل: الزفر البحر الفياض، فعلى هذا كانت تملأ القرب حتى تفيض. قوله: (القرب)، بكسر القاف: جمع قربة، وفي (التلويح) ضبط الشيوخ القرب، بنصب الباء
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»