عمدة القاري - العيني - ج ١٣ - الصفحة ٢٩٦
عليه الصلاة والسلام: (أنه لم يماكسه ليأخذ جمله)، فصح أن البيع لم يتم فيه، فقط، فإنما اشترط جابر ركوب جمل نفسه فقط، وقول القرطبي، وكيف يصنع قائله في قوله: (بعته منك)، لا يرد على الطحاوي، لأنه لا ينكر صورة البيع، وإنما ينكر حقيقة البيع لما ذكرنا، والقرطبي كيف يصنع بقوله: (ترى أني حبستك لأذهب ببعيرك؟) فإذا تأمل من له قريحة حادة، يعلم أن التغيير والتحريف منه لا من الطحاوي، وقد ذكر الإسماعيلي أيضا أن النكتة في ذكر البيع أنه، عليه الصلاة والسلام، أراد أن يبر جابر على وجه لا يحصل لغيره طمع في مثله، فبايعه في جمله على اسم البيع: ليتوفر عليه بره، ويبقى الجمل قائما على ملك فيكون ذلك أهنأ لمعروفه. وقيل: حاصله أن الشرط لم يقع في نفس العقد، وإنما وقع سابقا ولاحقا، فتبرع بمنفعته أولا، كما تبرع برقبته آخرا. فإن قلت: وقع في كلام القاضي أبي الطيب الطبري من الشافعية إن في بعض طرق هذا الخبر: (فلما نقدني الثمن شرطت حملاني إلى المدينة)، واستدل بها على أن الشرط تأخر عن العقد. قلت: هذه مجرد دعوى تحتاج إلى بيان ذلك، على أنا، وإن سلمنا ثبوت ذلك، يحتاج إلى أن يؤول على أن معنى: نقدني الثمن، أي: قرره لي، واتفقنا على تعيينه، لأن الروايات الصحيحة صريحة في أن قبضه الثمن إنما كان بالمدينة.
وقال عبيد الله وابن إسحاق عن وهب عن جابر اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم بوقية عبيد الله هو ابن عمر العمري، وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق، ووهب هو ابن كيسان. أما تعليق عبيد الله فوصله البخاري في البيوع، ولفظه: (قال: أتبيع جملك؟ قلت: نعم، فاشتراه مني بأوقية). وأما تعليق ابن إسحاق فوصله أحمد وأبو يعلى والبزار بطوله وفي حديثهم: (قال: قد أخذته بدرهم، قلت: إذا تغبنني يا رسول الله! قال: فبدرهمين؟ قلت: لا، فلم يزل يرفع لي حتى بلغ أوقية... الحديث.
وتابعه زيد بن أسلم عن جابر أي: تابع وهبا زيد بن أسلم عن جابر في ذكر الأوقية، ووصل البيهقي هذه المتابعة.
وقال ابن جريج عن عطاء وغيره عن جابر أخذته بأربعة دنانير وهاذا يكون وقية على حساب الدينار بعشرة دراهم ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وعطاء هو ابن أبي رباح، وهذا التعليق وصله البخاري في الوكالة. قوله: (وهذا يكون...) إلى آخره، قيل: إنه من كلام البخاري، وقال صاحب (التوضيح): هذا من كلام عطاء. قلت: يحتمل هذا، وهذا، والأقرب أن يكون من كلام عطاء، وقل بعضهم: (الدينار) مبتدأ، وقوله: (بعشرة)، خبره أي: دينار ذهب بعشر دراهم فضة. قلت: هذا تصرف عجيب ليس له وجه أصلا، لأن لفظ (الدينار)، وقع مضافا إليه، وهو مجرور بالإضافة، ولا وجه لقطع لفظ حساب عن الإضافة، ولا ضرورة إليه، والمعنى أصبح ما يكون لأن معنى قوله: (وهذا يكون وقية)، يعني: أربعة دنانير، يكون وقية على حساب الدينار أي: الدينار الواحد بعشرة دراهم، ولقد تعسف في تفسير الدينار بالذهب والدراهم بالفضة، لأن الدينار لا يكون إلا من الذهب، والدراهم لا تكون إلا من الفضة، ولا خفاء في ذلك.
ولم يبين الثمن مغيرة عن الشعبي عن جابر وابن المنكدر وأبو الزبير عن جابر أشار بهذا إلى أن هؤلاء الثلاثة: الشعبي ومحمد بن المنكدر وأبو الزبير محمد بن مسلم لم يذكروا كمية الثمن في روايتهم عن جابر. قوله: (وابن المنكدر)، بالرفع معطوف على المغيرة الذي هو مرفوع بقوله: (لم يبين) و (الثمن)، بالنصب مفعوله، أما رواية المغيرة عن الشعبي فتقدمت موصولة في الاستقراض، وستأتي مطولة في الجهاد، وليس فيها ذكر تعيين الثمن، وكذا أخرجه مسلم والنسائي وغيرهما بلا ذكر الثمن. وأما رواية ابن المنكدر فوصلها الطبراني، وليس فيها التعيين أيضا. وأما رواية أبي الزبير فوصلها النسائي ولم يعين الثمن، ولكن مسلما أخرجه من طريقه وعين فيه الثمن. ولفظه: (فبعته منه بخمس أواق على أن لي ظهره إلى المدينة).
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»