عمدة القاري - العيني - ج ١٣ - الصفحة ٢٨
على تلك الصورة، وقد كذبهم الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: * (وما قتلوه وما صلبوه) * (النساء: 751). الآية، وكان أصله من خشب وربما يعملونه من ذهب وفضة ونحاس ونحوها.
6742 حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال حدثنا الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب قال سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهذا الإسناد بعينه مر مرارا، وسفيان هو ابن عيينة. والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن عبد الأعلى بن حماد وعن أبي بكر بن أبي شيبة. وأخرجه ابن ماجة في الفتن عن أبي بكر بن أبي شيبة. قوله: (الساعة) أي: يوم القيامة. قوله: (ابن مريم)، هو عيسى بن مريم، عليهما الصلاة والسلام. قوله: (حكما) بفتحتين، بمعنى: الحاكم. قوله: (مقسطا) أي: عادلا في حكمه، وهو من الإقساط بكسر الهمزة، وهو العدل. يقال: أقسط يقسط فهو مقسط إذا عدل، وقسط يقسط فهو قاسط إذا جار وظلم، فكأن الهمزة في: أقسط، للسلب كما يقال: شكى إليه، فأشكاه أي: أزال شكواه. قوله: (فيكسر الصليب) إشعار بأن النصارى كانوا على الباطل في تعظيمه. قوله: (ويضع الجزية)، أي: يتركها فلا يقبلها بل، يأمرهم بالإسلام. فإن قلت: هذا يخالف حكم الشرع، فإن الكتابي إذا بذل الجزية وجب قبولها فلا يجوز بعد ذلك إكراهه على الإسلام ولا قتله؟ قلت: هذا الحكم الذي كان بيننا ينتهي بنزول عيسى، عليه الصلاة والسلام. فإن قلت: هذا يدل على أن عيسى، عليه الصلاة والسلام، ينسخ الحكم الذي كان في شرعنا، والحال أنه تابع لشرع نبينا صلى الله عليه وسلم. قلت: ليس هو بناسخ، بل نبينا صلى الله عليه وسلم هو الذي بين بالنسخ. وأن عيسى، عليه الصلاة والسلام، يفعل ذلك بأمر نبينا صلى الله عليه وسلم. وأما ترك الجزية فإنها كانت تؤخذ في زماننا لحاجتنا إلى المال. وأما في زمن عيسى، عليه الصلاة والسلام، فيكثر المال وتفتح الكنوز حتى لا يلتقي أحد من يقبل منه فلذلك يترك الجزية. قوله: (ويفيض)، بالفاء والضاد المعجمة: من فاض الماء والدمع وغيرهما يفيض فيضا: إذا كثر، وقيل: السبب في فيضان المال: نزول البركات، وظهور الخيرات، وقلة الرغبات لقصر الآمال لعلمهم بقرب يوم القيامة.
23 ((باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر أو تخرق الزقاق فإن كسر صنما أو صليبا أو طنبورا أو ما لا ينتفع بخشبه)) أي: هذا باب يذكر فيه: هل تكسر الدنان التي فيها الخمر؟ والدنان، بكسر الدال: جمع الدن، بفتح الدال وتشديد النون. قال الكرماني: وهو الخب. قلت: هذا تفسير الشيء بما هو أخفى منه. وقال الجوهري: والخب الخابية فارسي معرب. قلت: هو في اللغة الفارسية خم، بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم، فعرب وقيل: حب، بضم الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة. وفي دستور اللغة في: باب الحاء المضمومة: الحب خم ودستي. قوله: (التي فيها الخمر)، جملة في محل الرفع لأنها صفة الدنان، وجواب: هل، محذوف وإنما لم يذكره لأن فيه خلافا وتفصيلا. بيانه: أن قوله: هل تكسر الدنان التي فيها الخمر؟ أعم من أن يكون لمسلم أو لذمي أو لحربي، فإن كان الدن لمسلم ففيه الخلاف: فعند أبي يوسف وأحمد في رواية: لا يضمن، ويستدل لهما في ذلك بما رواه الترمذي: حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت ليثا يحدث عن يحيى بن عباد عن أنس عن أبي طلحة أنه قال: يا نبي الله! إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري! قال: (أهرق الخمر وكسر الدنان)، ثم قال الترمذي: وقال الثوري هذا الحديث عن السدي عن يحيى بن عباد عن أنس: أن أبا طلحة كان عنده، وهذا أصح من حديث الليث، وقال محمد بن الحسن: يضمن، وبه قال أحمد في رواية، لأن الإراقة بدون الكسر ممكنة. وأجيب: عن الحديث: بأنه ضعيف، ضعفه ابن العربي، وقال: لا يصح لا من حديث أبي طلحة ولا من حديث أنس أيضا، لتفرد السدي به، وفيه الليث بن أبي سليم
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»