عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ٣٠
مطابقة هذه الآية الكريمة للترجمة في قوله: * (على ما ملكت أيمانهم) * (النحل: 17). والخطاب فيه للمشركين، فأثبت لهم ملك اليمين مع كون ملكهم غالبا على غير الأوضاع الشرعية. وقيل: مقصوده صحة ملك الحربي وملك المسلم عنه. قلت: إذا صح ملكهم يصح تصرفهم فيه بالبيع والشراء والهبة والعتق ونحوها، وقال ابن التين: معناه: أن الله فضل الملاك على مماليكهم، فجعل المملوك لا يقوى على ملك مع مولاه، واعلم أن المالك لا يشرك مملوكه فيما عنده، وهما من بني آدم، فكيف تجعلون بعض الرزق الذي يرزقكم الله لله، وبعضه لأصنامكم فتشركون بين الله وبين الأصنام وأنتم لا ترضون ذاك مع عبيدكم لأنفسكم؟ وقال ابن بطال: تضمنت التقريع للمشركين والتوبيخ لهم على تسويتهم عبادة الأصنام بعبادة الرب تعالى، وتعظم فنبههم الله تعالى على أن مماليكهم غير مساوين في أموالهم فالله تعالى أولى بإفراد العبادة، وأنه لا يشرك معه أحد من عبيده إذ لا مالك في الحقيقة سواه، ولا يستحق الإلهية غيره. قوله: * (أفبنعمة الله يجحدون) * (النحل: 17). الاستفهام على سبيل الإنكار، معناه: لا تجحدوا نعمة الله ولا تكفروا بها، وجحودهم بأن جعلوا ما رزقهم الله لغيره، وقيل: أنعم الله عليهم بالبراهين فجحدوا نعمه.
7122 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إبراهيم عليه الصلاة والسلام بسارة فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة فقيل دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء فأرسل إليه أن يا إبراهيم من هاذه التي معك قال أختي ثم رجع إليها فقال لا تكذبي حديثي فإني أخبرتهم أنك أختي والله إن على الأرض مؤمن غيري وغيرك فأرسل بها إليه فقام إليها فقامت توضأ وتصلي فقالت اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر فغط حتى ركض برجله قال الأعرج قال أبو سلمة بن عبد الرحمان إن أبا هريرة قال قالت اللهم إن يمت يقال هي قتلته فارسل ثم قام إليها فقامت توضأ وتصلي وتقول أللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي هاذا الكافر فغط حتى ركض برجله قال عبد الرحمان قال أبو سلمة قال أبو هريرة فقالت اللهم إن يمت فيقال هي قتلته فأرسل في الثانية أو في الثالثة فقال والله ما أرسلتم إلي إلا شيطانا ارجعوها إلى إبراهيم وأعطوها آجر فرجعت إلى إبراهيم عليه السلام فقالت أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة..
مطابقته للترجمة في قوله: أعطوها هاجر فقبلتها سارة، فهذه هبة من الكافر إلى المسلم، فدل ذلك على جواز تصرف الكافر في ملكه، ورجاله كلهم قد ذكروا غير مرة، وأبو اليمان، بفتح الياء آخر الحروف، وتخفيف الميم: الحكم بن نافع الحمصي، وشعيب ابن أبي حمزة الحمصي، وأبو الزناد، بالزاي والنون: عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الهبة وفي الإكراه.
ذكر معناه: قوله: (هاجر إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، بسارة) أي: سافر بها، و: سارة، بتخفيف الراء، بنت توبيل ابن ناحور. وقيل: سارة بنت هاران بن ناحور، وقيل: بنت هاران بن ناحور، وقيل: بنت هاران بن تارخ، وهي بنت أخيه على هذا وأخت لوط. قاله العتبي في (المعارف) والنقاش في التفسير قال: وذلك أن نكاح بنت الأخ كان حلالا إذ ذاك، ثم إن النقاش نقض هذا القول، فقال في تفسير قوله عز وجل: * (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) * (الشورى: 31). إن هذا يدل على تحريم بنت الأخ على لسان نوح، عليه الصلاة والسلام، قال السهيلي: هذا هو الحق، وإنما توهموا أنها بنت أخيه، لأن هاران أخوه، وهو هاران الأصغر، وكانت هي بنت هاران الأكبر وهو عمه. قوله: (فدخل بها قرية) القرية من قريت الماء في الحوض أي: جمعته، سميت بذلك لاجتماع الناس فيها، وتجمع
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»