عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ١٤٥
كذبك وسيعود فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيعود فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة ما فعل أسيرك قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال أما أنه قد كذبك وسيعود فرصدته: الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله الله وهاذا آخر ثلاث مرات إنك تزعم لا تعود ثم تعود قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت ما هو قال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي * (الله لا إلاه إلا هو الحي القيوم) * حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل إسيرك البارحة قلت يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال ما هي قلت قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الله لا إلاه إلا هو الحي القيوم وقال لي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح وكانوا أحرص شيء على الخير فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما أنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة قال لا قال ذاك شيطان.
مطابقته للترجمة من حيث إن أبا هريرة كان وكيلا لحفظ زكاة رمضان، وهو صدقة الفطر، وترك شيئا منها حيث سكت حين أخذ منها ذلك الآتي، وهو الشيطان، فلما أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، بذلك سكت عنه وهو إجازة منه. فإن قلت: من أين يستفاد جواز الإقراض إلى أجل مسمى؟ قلت: قال الكرماني: حيث أمهله إلى الرفع إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وأوجه منه ما قاله المهلب: إن الطعام كان مجموعا للصدقة، فلما أخذ السارق وقال له: دعني فإني محتاج وتركه، فكأنه أسلفه ذلك الطعام إلى أجل، وهو وقت قسمته وتفرقته على المساكين: لأنهم كانوا يجمعونه قبل الفطر بثلاثة أيام للتفرقة، فكأنه أسلفه إلى ذلك الأجل.
ذكر رجاله وهم أربعة: الأول: عثمان بن الهيثم، بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة وفي آخره ميم: وكنيته أبو عمرو المؤذن البصري، مات قريبا من سنة عشرين ومائتين، وقد مر في آخر الحج. الثاني: عوف، بالفاء: الأعرابي، وقد مر في الإيمان. الثالث: محمد بن سيرين. الرابع: أبو هريرة.
ذكر لطائف إسناده فيه: أنه ذكره هكذا معلقا ولم يصرح فيه بالتحديث حتى زعم ابن العربي أنه منقطع، وكذا ذكره في فضائل القرآن وفي صفة إبليس. وأخرجه النسائي موصولا في: اليوم والليلة، عن إبراهيم بن يعقوب عن عثمان ابن الهيثم به، ووصله الإسماعيلي أيضا من حديث الحسن بن السكن، وأبو نعيم من حديث هلال بن بشر عنه، والترمذي نحوه من حديث أبي أيوب وقال: حسن غريب، وصححه قوم وضعفه آخرون.. وفيه: أن عثمان من مشايخه ومن أفراده، وقال في كتاب اللباس وفي الإيمان والنذور: حدثنا عثمان بن الهيثم أو محمد عنه. وفيه: التحديث بصيغة الجمع في موضع. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: القول في موضعين.
ذكر معناه: قوله: (يحفظ زكاة رمضان)، المراد به صدقة الفطر، وقد ذكرناه. قوله: (آت)، أصله: آتي، فاعل إعلال قاض. قوله: (يحثو)، قال الطيبي: أي: ينثر الطعام في وعائه. قلت: يقال: حثا يحثو وحثى يحثي، قال ابن الأعرابي: وأعلى اللغتين حثى يحثي، وكله بمعنى الغرف، وفي رواية أبي المتوكل عن أبي هريرة: أنه كان على تمر الصدقة فوجد أثر كف كأنه قد أخذ منه، ولابن الضريس من هذا الوجه، فإذا التمر قد أخذ منه ملء كف. قوله: (فأخذته)، وفي رواية أبي المتوكل زيادة وهي: أن أبا هريرة شكا ذلك إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، أولا، فقال له: (إن أردت أن تأخذه فقل: سبحان من سخرك لمحمد). قال: فقلتها فإذا أنا به قائم بين يدي فأخذته. قوله: (والله لأرفعنك)، أي: لأذهبن بك أشكوك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»