عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ١٤١
مطابقته للترجمة من حيث إن المرأة لما قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قد وهبت لك نفسي، كان ذلك كالوكالة على تزويجها من نفسه أو ممن رأى تزويجها منه، وقد جاء في كتاب النكاح أنها جعلت أمرها إليه صريحا، وهو طريق من طرق حديث الباب، وبهذا يجاب عما قاله الداودي أنه ليس في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم استأذنها، ولا أنها وكلته. وأبو حازم، بالحاء المهملة وبالزاي: اسمه سلمة بن دينار الأعرج، وسهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد وفي النكاح عن عبد الله بن يوسف أيضا. وأخرجه أبو داود في النكاح عن القعنبي. وأخرجه الترمذي فيه عن الحسن بن علي. وأخرجه النسائي فيه وفي فضائل القرآن عن هارون بن عبد الله.
ذكر معناه: قوله: (جاءت امرأة)، اختلف في اسمها، فقيل: هي خولة بنت حكيم، وقيل: هي أم شريك الأزدية. وقيل ميمونة، ذكر هذه الأقوال أبو القاسم بن بشكوال في كتاب (المبهمات): والصحيح أنها خولة أو أم شريك، لأنهما، وإن كانتا ممن وهبت نفسهما للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يتزوج بهما، وأما ميمونة فإنها إحدى زوجاته صلى الله عليه وسلم، فلا يصح أن تكون هذه، لأن هذه قد زوجها لغيره، وقد روى البيهقي من رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس. قال: لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له، لأنه لم يقبلهن وإن كن حلالا. قوله: (وهبت لك من نفسي) ويروى: (وهبت لك نفسي، بدون كلمة: من. قال النووي: قول الفقهاء: وهبت من فلان كذا، مما ينكر عليهم. قلت: لا وجه للإنكار لأن: من، تجيء زائدة في الموجب، وهي جائزة عند الأخفش والكوفيين. قوله: (فقال رجل: زوجنيها)، ولفظه في النكاح: (فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها). قوله: (قد زوجناكها بما معك من القرآن). واختلفت الروايات في هذه اللفظة، ففي رواية مسلم وأبي داود والترمذي: (زوجتكها بما معك من القرآن)، وفي رواية للبخاري: ملكتكها، وفي رواية له: أملكناكها، وفي رواية أبي ذر الهروي: أمكناكها، وفي أكثر روايات (الموطأ): أنكحتكها، وكذا في رواية للبخاري، وفي رواية لمسلم في أكثر نسخه: ملكتكها، على بناء المجهول، وكذا نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين لمسلم، وقال الدارقطني: رواية من روى: ملكتكها، وهم، قال: الصواب رواية من روى: زوجتكها، قال: وهم أكثر وأحفظ. وقال النووي: ويحتمل صحة اللفظين، ويكون جرى لفظ التزويج أولا فملكها، ثم قال له: إذهب فقد ملكتكها بالتزويج السابق. قلت: هذا هو الوجه، وقد ذكرنا أن البخاري أخرج هذا الحديث في التوحيد، ولكنه مختصر جدا. وأخرجه في كتاب النكاح في: باب تزويج المعسر، ولفظه: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! جئت أهب لك نفسي. قال: فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصعد النظر إليها وصوبه، ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا، جلست، فقام رجل من أصحابه، فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها. قال: وهل عندك من شيء؟ قال: لا، والله يا رسول الله! فقال: إذهب إلى أهلك فانظر. هل تجد شيئا؟ فذهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظر ولو خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري. قال: ماله رادء فلها نصفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء؟ فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه، قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا، فأمر به، فدعي، فلما جاء قال له: ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وكذا، عددها، قال: تقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال: نعم، قال: إذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن. وإنما سقنا هذا ههنا لأنه كالشرح لحديث الباب يوضح ما فيه من الأحكام.
ذكر ما يستفاد منه: وهو يشتمل على أحكام:
الأول فيه: جواز هبة المرأة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو من خصائصه، لقوله تعالى: * (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) * (الأحزاب:: 05). الآية... قال ابن القاسم عن مالك: لا تحل الهبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أبو عمر: أجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يطأ فرجا وهب له وطؤه دون رقبته بغير صداق.
الثاني فيه: أنه صلى الله عليه وسلم يجوز له استباحة من شاء ممن وهبت نفسها له بغير صداق، وهذا أيضا من الخصائص.
الثالث: استدل به أبو حنيفة والثوري وأبو يوسف ومحمد والحسن بن حي، على أن النكاح ينعقد بلفظ الهبة، فإن سمى مهرا لزمه، وإن لم يسم فلها مهر المثل؟ قالوا: والذي خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرى البضع من العوض لا النكاح، بلفظ الهبة: وعن الشافعي
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»