عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٤٦
ذكر معناه: قوله: (خرج إلى مكة)، كان ذلك في غزوة الفتح، خرج يوم الأربعاء بعد العصر لعشر مضين من رمضان، فلما كان بالصلصل، جبل عند ذي الحليفة، نادى مناديه: من أحب أن يفطر فليفطر، ومن أحب أن يصوم فليصم. فلما بلغ الكديد أفطر بعد صلاة العصر على راحلته ليراه الناس. قوله: (لعشر مضين من رمضان) رواية ابن إسحاق في المغازي عن الزهري، ووقع في مسلم من حديث أبي سعيد اختلاف من الرواة في ضبط ذلك، والذي اتفق عليه أهل السير أنه خرج في عاشر رمضان ودخل مكة لتسع عشرة خلت منه. قوله: (حتى بلغ الكديد) وفي رواية عن ابن عباس، ستأتي قريبا، من وجه آخر: (حتى بلغ عسفان)، بدل الكديد، ووقع عند مسلم: (فلما بلغ كراع الغميم)، ووقع في رواية النسائي من رواية الحكم عن مقسم، (عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان فصام حتى أتى قديدا، ثم أتى بقدح من لبن فشربه فأفطر هو وأصحابه). وقال القاضي عياض: اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر صلى الله عليه وسلم فيه، والكل في قضية واحدة، وكلها متقاربة، والجميع من عمل عسفان. انتهى. قلت: الكديد، بفتح الكاف وبدالين مهملتين أولاهما مكسورة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة: وهو موضع بينه وبين المدينة سبع مراحل أو نحوها، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين، وهو أقرب إلى المدينة من عسفان. وقال أبو عبيد: بينه وبين عسفان ستة أميال، وعسفان على أربعة برد من مكة، وبالكاديد عين جارية بها نخل كثير، وذكر ابن قرقول: أن بين الكديد ومكة اثنان وأربعون ميلا. وقال ابن الأثير: وعسفان قرية جامعة بين مكة والمدينة، وكراع الغميم أيضا موضع بين مكة والمدينة، والكراع جانب مستطيل من الحرة مشتبها بالكراع، والغميم، بفتح الغين المعجمة: واد بالحجاز. أما عسفان فبثمانية أميال يضاف إليها هذا الكراع، قيل: جبل أسود متصل به، والكراع: كل أنف سال من جبل أو حرة، وقديد، بضم القاف: موضع قريب من مكة فكأنه في الأصل تصغير: قد.
ذكر ما يستفاد منه فيه: بيان صريح أنه، صلى الله عليه وسلم، صام في السفر. وفيه: رد على من لم يجوز الصوم في السفر. وفيه: بيان إباحة الإفطار في السفر. وفيه: دليل على أن للصائم في السفر الفطر بعد مضي بعض النهار. وفيه: رد لقول من زعم أن فطره بالكديد كان في اليوم الذي خرج فيه من المدينة، وذهب الشافعي إلى أنه لا يجوز الفطر في ذلك اليوم، وإنما يجوز لمن طلع عليه الفجر في السفر، قال أبو عمر: اختلفوا في الذي يخرج في سفره. وقد بيت الصوم، فقال مالك: عليه القضاء ولا كفارة فيه، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وداود والطبري والأوزاعي، وللشافعي قول آخر: أنه يكفر إن جامع.
قال أبو عبد الله والكديد ماء بين عسفان وقديد أبو عبد الله هو البخاري نفسه، ونسبة هذا التفسير للبخاري وقعت في رواية المستملي وحده، وسيأتي في المغازي موصولا من وجه آخر في نفس الحديث.
5491 حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثني يحيى بن حمزة عن عبد الرحمان بن يزيد بن جابر أن إسماعيل بن عبيد الله حدثه عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حار حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهي أن الصوم والإفطار في السفر لو لم يكونا مباحين لما صام النبي، صلى الله عليه وسلم، وابن رواحة، وأفطر الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، وقد وقع على رأس هذا الحديث لفظ: باب كذا، مجردا عن ترجمة عند الأكثرين، وسقط من رواية النسفي.
ذكر رجاله وهم ستة: الأول: عبد الله بن يوسف التنيسي. الثاني: يحيى بن حمزة الدمشقي، مات سنة ثلاث وثمانين ومائة. الثالث: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشامي، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة.
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»