عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٤٨
فعلية وقعت حالا. قوله: (ليس من البر) مقول القول، ولفظ الحديث يظهر من هذا أن السبب لقوله، صلى الله عليه وسلم: (هذا هو المشقة)، والبر، بكسر الباء: الطاعة، يعني: ليس من الطاعة والعبادة أن تصوموا في حالة السفر، والبر أيضا الإحسان والخير، ومنه: بر الوالدين، يقال: بر يبر فهو بار، وجمعه: بررة، وجمع البر بفتح الباء: أبرار، والبر، بالفتح: الحيد والخير، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا خلف كل بر وفاجر). ويجيء بمعنى المعطوف، وفي أسماء الله تعالى: البر العطوف على عباده ببره ولطفه، والبر والبار بمعنى، وإنما جاء في اسم الله تعالى: البر، دون: البار، والبر بالفتح أيضا خلاف البحر، وجمعه: برور، ويقال: إن كلمة: من، في قوله: (ليس من البر) زائدة أي: ليس البر، كما في قولهم: ما جاءني من أحد. أي: ما جاءني أحد، ولا خلاف في زيادة: من، في النفي، وإنما الخلاف في الإثبات، فأجازه قوم ومنعه آخرون.
6491 حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا محمد بن عبد الرحمان الأنصاري قال سمعت محمد بن عمرو بن الحسن بن علي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال ما هذا فقالوا صائم فقال ليس من البر الصوم في السفر.
مطابقته للترجمة من حيث إن الترجمة قطعة من الحديث ورجاله مشهورون.
والحديث أخرجه مسلم من حديث محمد بن عمرو بن الحسن (عن جابر، قال: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في سفر. فرأى رجلا قد اجتمع عليه الناس وقد ظلل عليه، فقال: ما له؟ قالوا: رجل صائم. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليس من البر أن تصوموا في السفر). وفي لفظ له في آخره، قال شعبة: وكان يبلغني عن يحيى بن أبي كثير أنه كان يزيد في هذا الحديث، وفي هذا الإسناد أنه قال: (عليكم برخصة الله الذي رخص لكم. قال: فلما سألته لم يحفظه). ورواه أبو داود أيضا، وقال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن، يعني ابن أسعد بن زرارة عن محمد بن عمرو بن الحسن (عن جابر: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رأى رجلا يظلل عليه والزحام عليه، فقال: ليس من البر الصيام في السفر). ورواه النسائي، وقال: أخبرني شعيب بن شعيب بن إسحاق، قال: حدثنا عبد الوهاب بن سعيد، قال: حدثنا شعيب عن الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن، قال: أخبرني جابر بن عبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل إلى ظل شجرة يرش عليه الماء، قال: ما بال صاحبكم هذا؟ قالوا: يا رسول الله صائم. قال: ليس من البر أن تصوموا في السفر، وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها).
وفي الباب عن ابن عمر رواه الطحاوي من رواية نافع عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيس من البر الصيام في السفر)، ورواه ابن ماجة عن محمد بن مصفي الحمصي... إلى آخره نحوه، وروى الطحاوي أيضا من حديث كعب بن مالك بن عاصم الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من البر أن تصوموا في السفر). ورواه النسائي وابن ماجة والطبراني في (الكبير). وروى الطحاوي أيضا، قال: حدثنا محمد بن النعمان، قال: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت الزهري يقول: أخبرني صفوان بن عبد الله... الحديث. قال سفيان: فذكر لي أن الزهري كان يقول: ولم أسمع أنا منه: (ليس من أمبرا مصيام في امسفر)، قال الزمخشري هي لغة طيء فإنهم يبدلون اللام ميما. وروى ابن عدي من حديث عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصوم في السفر)، وفيه مقال. وروى ابن عدي أيضا من حديث ميمون بن مهران عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من البر الصوم في السفر)، وفيه محمد بن إسحاق العكاشي، وهو منكر الحديث. وقال الطحاوي: ذهب قوم إلى هذه الأحاديث، وقالوا: الإفطار في شهر رمضان في السفر أفضل من الصيام قلت: أراد بالقوم هؤلاء: سعيد بن جبير وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز والشعبي والأوزاعي وقتادة والشافعي وأحمد وإسحاق، وقد ذكرنا فيما مضى مذاهب العلماء.
ذكر معناه: قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر)، ظهر من رواية الترمذي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أنها
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»