عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ١٠٠
الآباء عن الأبناء. قوله: (إنه دفن لصلبي) أي: من ولده دون أسباطه وأحفاده. قوله: (مقدم الحجاج) هو: ابن يوسف الثقفي وكان قدومه البصرة سنة خمس وسبعين، وعمر أنس حينئذ نيف وثمانون سنة، وقد عاش أنس بعد ذلك إلى سنة ثلاث ويقال: اثنتين، ويقال: إحدى وتسعين، وقد قارب المائة. فإن قلت: البصرة منصوبة بماذا؟ ولا يجوز أن يكون العامل فيها لفظ مقدم لأنه اسم زمان وهو لا يعمل؟ كذا قاله الكرماني قلت: فيه مقدر تقديره زمان قدومه البصرة، والمقدم هنا مصدر ميمي فالكرماني لما رآه على وزن اسم الفاعل ظن أنه اسم زمان، فلذلك تكلف في السؤال والجواب، وأما لفظ مقدم فإنه منصوب بنزع الخافض تقديره: إلى مقدم الحجاج أي: إلى قدومه، أي: إلى وقت قدومه حاصله أن من مات من أول أولاده إلى وقت قدوم الحجاج البصرة، بضع وعشرون ومائة، وفق رواية ابن أبي عدي: نيفا على عشرين ومائة، وفي رواية البيهقي، من رواية الأنصاري عن حميد: تسع وعشرون ومائة، وعند الخطيب في رواية الآباء عن الأولاد، من هذا الوجه: ثلاث وعشرون ومائة، وفي رواية حفصة بنت سيرين: (ولقد دفنت من صلبي سوى ولد ولدي خمسة وعشرين ومائة)، وفي (الحلية) أيضا من طريق عبد الله بن أبي طلحة (عن أنس، قال: دفنت مائة لا سقطا ولا ولد ولد). ولأجل هذا الاختلاف جاء في رواية البخاري: (بضع وعشرون ومائة)، فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع، وقال ابن الأثير: البضع في العدد، بالكسر، وقد يفتح: ما بين الثلاث إلى التسع، وقيل: ما بين الواحد إلى العشرة لأنه قطعة من العدد، وقال الجوهري: تقول بضع سنين وبضعة عشر رجلا فإذا جاوزت لفظ العشر لا تقول: بضع وعشرون. قلت: الذي جاء في الحديث يرد عليه وهو سهو منه، وكيف لا وأنس من فصحاء العرب، وأما الذين بقوا، ففي رواية إسحاق ابن أبي طلحة (عن أنس: وأن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة)، رواه مسلم.
ذكر ما يستفاد منه فيه: حجة لمالك والكوفيين منهم أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه، أن الصائم المتطوع لا ينبغي له أن يفطر بغير عذر ولا سبب يوجب الإفطار. فإن قلت: هذا يعارض حديث أبي الدرداء حين زاره سلمان، رضي الله تعالى عنه، وقد تقدم قلت: لا معارضة بينهما لأن سلمان امتنع أن يأكل إن لم يأكل أبو الدرداء معه، وهذه علة للفطر، لأن للضيف حقا، كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إن الصائم إذا دعي إلى طعام فليدع لأهله بالبركة). ويؤنسهم بذلك لأن فيه جبر خاطر المزور إذا لم يؤكل عنده. وفيه: جواز التصغير على معنى التعطف له والترحم عليه والمودة له، بخلاف ما إذا كان للتحقير فإنه لا يجوز. وفيه: جواز رد الهدية إذا لم يشق ذلك على المهدي، وإن أخذ من ردت عليه ليس من العود في الهبة. وفيه: حفظ الطعام وترك التفريط. وفيه: التلطف بقولها: خادمك أنس. وفيه: جواز الدعاء بكثرة الولد والمال. وفيه: التاريخ بولاية الأمراء، لقوله: مقدم الحجاج، وقد بينا وقت قدومه. وفيه: مشروعية الدعاء عقيب الصلاة. وفيه: تقديم الصلاة أمام طلب الحاجة. وفيه: زيارة الإمام بعض رعيته. وفيه: دخول بيت الرجل في غيبته لأنه لم يقل في طرق هذه القصة: إن أبا طلحة كان حاضرا. قلت: ينبغي أن يكون هذا بالتفصيل، وهو أنه إذا علم أن الرجل لا يصعب عليه ذلك جاز، وإلا لم يجز وليس أحد من الناس مثل سيد الأولين والآخرين. وفيه: التحديث بنعم الله تعالى والإخبار عنها عند الإنسان، والإعلام بمواهبه وأن لا يجحد نعمه، وبذلك أمر الله في كتابه الكريم حيث قال: * (وأما بنعمة ربك فحدث) * (الضحى: 11). وفيه: بيان معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم في دعائه لأنس ببركة المال وكثرة الولد مع كون بستانه صار يثمر مرتين في السنة دون غيره. وفيه: كرامة أنس، رضي الله تعالى عنه. وفيه: إيثار الولد على النفس وحسن التلطف في السؤال. وفيه: أن كثرة الموت في الأولاد لا تنافي إجابة الدعاء بطلب كثرتهم. وفيه: التاريخ بالأمر الشهير.
90 - (حدثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا يحيى قال حدثني حميد قال سمع أنسا رضي الله عنه عن النبي ) هذا طريق آخر وقع هكذا بقوله حدثنا في رواية كريمة والأصيلي فيكون موصولا وفي رواية غيرهما وقع هكذا قال
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»