عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٦٠
ابن القاسم، قال أحمد: صدوق ثقة، وقال أبو داود: ثقة ثقة، وروى له الجماعة. وهو يروي عن الأشعث وهو ابن سوار الكندي الكوفي، نص عليه المزي، وثقه يحيى في روايته، وروى له مسلم في المتابعات، والأربعة ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال العجلي: كان فقيها صاحب سنة صدوقا جائز الحديث، وروى له الأربعة، فمثل هؤلاء إذا رفعوا الحديث لا ينكر عليهم. لأن معهم زيادة علم، مع أن القرطبي حسن إسناده.
وأما قول البيهقي: هذا خطأ، فمجرد حط ودعوى من غير بيان وجه ذلك، على أن ابن سيرين قد تابع ابن أبي ليلى على رفعه، فلقائل أن يمنع الوقف. وأما الجواب عن حديث الباب فقد قال مهنىء: سألت أحمد عن حديث عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر عن عروة عن عائشة مرفوعا: (من مات وعليه صيام؟) فقال أبو عبد الله: ليس بمحفوظ، وهذا من قبل عبيد الله بن أبي جعفر، وهو منكر الأحاديث، وكان فقيها، وأما الحديث فليس هو فيه بذاك، وقال البيهقي: ورأيت بعض أصحابنا ضعف حديث عائشة بما روي عن عمارة بن عمير عن امرأة عن عائشة في امرأة ماتت وعليها الصوم، قالت: يطعم عنها. قال: وروي من وجه آخر عن عائشة أنها قالت: لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم، ثم قال: وفيهما نظر، ولم يزد عليه. قلت: قال الطحاوي: (حدثنا روح بن الفرج حدثنا يوسف بن عدي حدثنا عبيد بن حميد عن عبد العزيز بن رفيع عن عمرة بنت عبد الرحمن قلت لعائشة: إن أمي توفيت وعليها صيام رمضان، أيصلح أن أقضي عنها؟ فقالت: لا، ولكن تصدقي عنها مكان كل يوم على مسكين خير من صيامك) وهذا سند صحيح.
وقد أحمعوا على أنه لا يصلي أحد عن أحد، فكذلك الصوم، لأن كلا منهما عبادة بدنية، وقال ابن القصار: لما لم يجز الصوم عن الشيخ ألهم في حياته فكذا بعد مماته، فيرد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه، وحكى ابن القصار أيضا في (شرح البخاري) عن المهلب أنه قال: لو جاز أن يصوم أحد عن أحد في الصوم لجاز أن يصلي الناس عن الناس، فلو كان ذلك سائغا لجاز أن يؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمه أبي طالب لحرصه على إيمانه، وقد أجمعت الأمة على أنه لا يؤمن أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد، فوجب أن يرد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه. قلت: فيه بعض غضاضة وترك محاسن الأدب ومصادمة الأخبار الثابتة فيه، والأحسن فيه أن يسلك فيها ما سلكنا من الوجوه المذكورة.
ولنا قاعدة أخرى في مثل هذا الباب، وهي أن الصحابي إذا روى شيئا ثم أفتى بخلافه فالعبرة لما رآه، وقال بعضهم: الراجح أن المعتبر ما رواه لا ما رآه، لاحتمال أن يخالف ذلك لاجتهاد مستنده فيه لم يتحقق، ولا يلزم من ذلك ضعف الحديث عنده، وإذا تحققت صحة الحديث لم يترك به المحقق للمظنون انتهى. قلت: الاحتمال الذي ذكره باطل لأنه لا يليق بجلالة قدر الصحابي أن يخالف ما رواه من النبي صلى الله عليه وسلم لأجل اجتهاده فيه، وحاشى الصحابي أن يجتهد عند النص بخلافه لأنه مصادمة للنص، وذا لا يقال في حق الصحابي، وإنما فتواه بخلاف ما رواه إنما يكون لظهور نسخ عنده، وقوله: ومستنده فيه لم يتحقق، كلام واه لأنه لو لم يتحقق عنده ما يوجب ترك العمل به لما أفتى لخلافه، وإلا يلزم نسبة الصحابي العدل الموثوق إلى العمل بخلاف ما رواه. وقوله: وإذا تحققت... إلى آخره، يستلزم العمل بالأحاديث الصحيحة المنسوخة الثابت نسخها، ولا يلزم العمل بحديث تحققت صحته ونسخه حديث آخر، وقوله: للمظنون، يعني لأجل المظنون، قلنا: المظنون الذي يستند به هذا القائل هو المظنون عنده لا عند الصحابي الذي أفتى بخلاف ما روى، لأن حاله يقتضي أن لا يترك الحديث الذي رواه بمجرد الظن والله أعلم.
تابعه ابن وهب عن عمر و أي: تابع والد محمد بن موسى عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث المذكور في سند الحديث المذكور، ووصل هذه المتابعة مسلم وأبو داود وغيرهما فقال مسلم: حدثنا هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قالا: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة، رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه).
ورواه يحيى بن أيوب عن ابن أبي جعفر أي: روى الحديث المذكور يحيى بن أيوب الغافقي المصري أبو العباس عن عبيد الله بن أبي جعفر بسنده المذكور، وطريق
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»