عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٥٤
عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس فيمن عليه قضاء رمضان، قال: يقضيه مفرقا قال الله تعالى: * (فعدة من أيام أخر) * (البقرة: 481). وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن معمر بسنده، قال: صمه كيف شئت.
وقال سعيد بن المسيب في صوم العشر لا يصلح حتى يبدأ برمضان معنى هذا الكلام أن سعيدا لما سئل عن صوم العشر؟ والحال أن على الذي سأله قضاء رمضان، فقال: لا يصلح حتى يبدأ أولا بقضاء رمضان، وهذه العبارة لا تدل على المنع مطلقا، وإنما تدل على الأولوية، والدليل عليه ما رواه ابن أبي شيبة: عن عبدة عن سفيان عن قتادة عن سعيد أنه كان لا يرى بأسا أن يقضي رمضان في العشر، وقال بعضهم: عقيب ذكر الإثر المذكور عن سعيد، وصله ابن أبي شيبة عنه نحوه، وقال صاحب (التلويح): هذا التعليق رواه ابن أبي شيبة، ثم ذكره نحو ما ذكرنا، وليس الذي ذكره ابن أبي شيبة عنه أصلا نحو الذي ذكره البخاري عنه، وهذا ظاهر لا يخفى.
وقال إبراهيم: إذا فرط حتى جاء رمضان آخر يصومهما ولم ير عليه طعاما إبراهيم هو النخعي. قوله: (إذا فرط) من التفريط، وهو التقصير، يعني: إذا كان عليه قضاء رمضان ولم يقضه حتى جاء رمضان ثان فعليه أن يصومهما، وليس عليه فدية. قوله: (حتى جاء)، من المجيء، ووقع في رواية الكشميهني: (حتى جاز)، بزاي في آخره من الجواز، ويروى: (حتى حان)، بحاء مهملة ونون: من الحين، وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور من طريق يونس عن الحسن، ومن طريق الحارث العكلي عن إبراهيم قالا: إذا تتابع عليه رمضانان صامهما، فإن صح بينهما فلم يقض الأول فبئس ما صنع، فليستغفر الله، وليصم.
ويذكر عن أبي هريرة مرسلا. وعن ابن عباس أنه يطعم ولم يذكر الله الإطعام إنما قال: * (فعدة من أيام أخر) * (البقرة: 481).
أشار بصيغة التمريض إلى أن الذي روى عن أبي هريرة حال كونه مرسلا فيمن مرض ولم يصم رمضان، ثم صح فلم يقضه حتى جاء رمضان آخر، فإنه يطعم بعد الصوم عن رمضانين. وأخرجه عبد الرزاق موصولا عن ابن جريج: أخبرني عطاء عن أبي هريرة، قال: أي إنسان مرض رمضان ثم صح فلم يقضه حتى أدركه رمضان آخر فليصم الذي حدث، ثم يقضي الآخر، ويطعم من كل يوم مسكينا. قلت لعطاء: كم بلغك يطعم؟ قال: مدا، زعموا، وأخرجه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن أبي إسحاق عن مجاهد عن أبي هريرة نحوه، وقال فيه: (وأطعم عن كل يوم نصف صاع من قمح). وأخرج الدارقطني حديث أبي هريرة مرفوعا من طريق مجاهد (عن أبي هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في رجل أفطر في شهر رمضان، ثم صح ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر، قال: يصوم الذي أدركه ثم يصوم الشهر الذي أفطر فهي ويطعم مكان كل يوم مسكينا). وفي إسناده إبراهيم بن نافع وعمر بن موسى بن وجبة، قال الدارقطني: هما ضعيفان. وقد ذكر البرديجي أن مجاهدا لم يسمع من أبي هريرة، فلهذا سماه البخاري مرسلا.
قوله: (وابن عباس)، أي: ويروى أيضا عن ابن عباس أنه يطعم، ووصله سعيد بن منصور عن هشيم، والدارقطني من طريق ابن عيينة كلاهما عن يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد عن ابن عباس، قال: (من فرط في صيام شهر رمضان حتى أدركه رمضان آخر فليصم هذا الذي أدركه ثم ليصم ما فاته ويطعم مع كل يوم مسكينا). قيل: عطف ابن عباس على أبي هريرة يقتضي أن يكون المذكور عن ابن عباس أيضا مرسلا، وأجيب بالخلاف في أن القيد في المعطوف عليه هل هو قيد في المعطوف أم لا؟ فقيل: ليس بقيد، والأصح اشتراكهما، وكذلك الأصوليون اختلفوا في أن عطف المطلق على المقيد هل هو مقيد للمطلق أم لا؟ قوله: (ولم يذكر الله الإطعام...) إلى آخره، من كلام البخاري إنما قال ذلك لأن النص ساكت عن الإطعام، وهو الفدية لتأخير القضاء. وظن بعضهم أنه بقية كلام إبراهيم النخعي وهو وهم، فإنه مفصول من كلامه بأثر أبي هريرة وابن عباس، ثم إن البخاري استدل فيما قاله بقوله تعالى: * (فعدة من أيام أخر) * (البقرة: 481). ولا يتم استدلاله بذلك لأنه لا يلزم من عدم ذكره في الكتاب أن لا يثبت بالسنة، فقد جاء عن
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»