عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٢٦٢
رواية أبي داود: (بسبعمائة أو تسعمائة). قوله: (فدفعه إليه)، أي: فدفع النبي صلى الله عليه وسلم الثمن الذي بيع به المدبر المذكور إليه، أي: إلى الرجل المذكور، وهو نعيم بن عبد الله.
ذكر ما يستفاد منه ولما روى الترمذي حديث جابر، قال: والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: لم يروا ببيع المدبر بأسا، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وكره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، بيع المدبر، وهو قول سفيان الثوري ومالك والأوزاعي. وفي (التلويح: اختلف العلماء هل المدبر يباع أم لا؟ فذهب أبو حنيفة ومالك وجماعة من أهل الكوفة إلى أنه ليس للسيد أن يبيع مدبره، وأجازه الشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وأهل الظاهر، وهو قول عائشة ومجاهد والحسن وطاووس، وكرهه ابن عمر وزيد بن ثابت، ومحمد بن سيرين وابن المسيب والزهري والشعبي والنخعي وابن أبي ليلى والليث بن سعد، وعن الأوزاعي لا يباع إلا من رجل يريد عتقه، وجوز أحمد بيعه بشرط أن يكون على السيد دين، وعن مالك يجوز بيعه عند الموت، ولا يجوز في حال الحياة، وكذا ذكره ابن الجوزي عنه، وحكى مالك إجماع أهل المدينة على بيع المدبر أو هبته.
وعند أئمتنا الحنفية: المدبر على نوعين: مدبر مطلق: نحو ما إذا قال لعبده: إذا مت فأنت حر أو أنت حر يوم أموت. أو أنت حر عن دبر مني، أو أنت مدبر، أو دبرتك، فحكم هذا أنه: لا يباع ولا يوهب ويستخدم ويؤجر وتوطؤ المدبرة وتنكح، وبموت المولى يعتق المدبر من ثلث ماله، ويسعى في ثلثيه أي: ثلثي قيمته إن كان المولى فقيرا، ولم يكن له مال غيره، ويسعى في كل قيمته لو كان مديونا بدين مستغرق جميع ماله.
النوع الثاني: مدبر مقيد نحو قوله: إن مت من مرضي هذا، أو سفري هذا، فأنت حر، أو قال: إن مت إلى عشر سنين أو بعد موت، فلان، ويعتق إن وجد الشرط، وإلا فيجوز بيعه.
واحتجوا في عدم جواز بيع المدبر المطلق بما رواه الدارقطني من رواية عبيدة بن حسان، رضي الله تعالى عنهما، عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من الثلث)، فإن قلت: قال الدارقطني: لم يسنده غير عبيدة بن حسان، وهو ضعيف، وإنما هو عن ابن عمر من قوله. وروى الدارقطني أيضا عن علي بن ظبيان، حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، وغير ابن ظبيان يرويه موقوفا، وعلي بن ظبيان ضعيف. قلت: احتج بهذا الحديث الكرخي والطحاوي والرازي وغيرهم، وهم أساطين في الحديث. وقال أبو الوليد الباجي: إن عمر، رضي الله تعالى عنه، رد بيع المدبرة في ملأ خير القرون، وهم حضور متوافرون، وهو إجماع منهم: أن بيع المدبر لا يجوز.
والجواب عن حديث جابر من وجوه. الأول: قال ابن بطال: لا حجة فيه، لأن في الحديث أن سيده كان عليه دين فثبت أن بيعه كان لذلك. الثاني: أنها قضية عين تحتمل التأويل، وتأوله بعض المالكية على أنه لم يكن له مال غيره، فرد تصرفه. الثالث: أنه يحتمل أنه باع منفعته بأن أجره، والإجارة تسمى بيعا بلغة أهل اليمن، لأن فيها بيع المنفعة. ويؤيده ما ذكره ابن حزم، فقال: وروي عن أبي جعفر محمد بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، أنه باع خدمة المدبر، وقال ابن سيرين: لا بأس ببيع خدمة المدبر، وكذا قاله ابن المسيب، وذكر أبو الوليد عن جابر أنه، صلى الله عليه وسلم، باع خدمة المدبر. الرابع: أن سيد المدبر الذي باعه النبي، صلى الله عليه وسلم، كان سفيها، فلهذا تولى النبي، صلى الله عليه وسلم، بيعه بنفسه. وبيع المدبر عند من يجوزه لا يفتقر فيه إلى بيع الإمام. الخامس:
يحتمل أنه باعه في وقت كان يباع الحر المديون، كما روي أنه، صلى الله عليه وسلم، باع حرا بدينه، ثم نسخ بقوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * (البقرة: 082).
06 ((باب النجش)) أي: هذا باب في بيان حكم النجش، بفتح النون وسكون الجيم وفتحها، وقد مر الكلام فيه في قوله: (ولا تتناجشوا) في: باب لا يبيع على بيع أخيه.
ومن قال لا يجوز ذلك البيع
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»