عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٢٥٦
ابن عبد الله بن عمر عن أبيه، قال: (ما أدركت الصفقة حيا فهو من مال المبتاع) وليس فيه لفظ: مجموعا، وهذا رواه الطحاوي جوابا عما قالوا: إن ابن عمر روى عنه حديث: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)، وأنه كان يرى التفرق بالأبدان، والدليل عليه أنه كان إذا بايع رجلا شيئا فأراد أن لا يقبله قام فمشى هنيهة، قالوا: فهذا يدل على أنه كان يرى التفرق بالأبدان، وأجاب عنه الطحاوي فقال: وقد روي عنه ما يدل على أن رأيه كان في الفرقة بالأقوال، وأن المبيع ينتقل بتلك الأقوال من ملك البائع إلى ملك المشتري حتى يهلك من مالك إن هلك، وروى حديث حمزة بن عبد الله هذا، واعترض عليه بعضهم بقوله: وما قاله ليس بلازم، وكيف يحتج بأمر محتمل في معارضة أمر مصرح به؟ فابن عمر قد تقدم عنه التصريح بأنه كان يرى الفرقة بالأبدان، والمنقول عنه هنا يحتمل أن يكون قبل التفرق بالأبدان، ويحتمل أن يكون بعده، فحمله على ما بعده أولى جمعا بين حديثيه. انتهى. قلت: هذا ما هو بأول من تصرف بهذا الاعتراض، فإن ابن حزم سبقه بهذا، ولكن الجواب عن هذا بما يقطع شغبهما هو: أن قوله هذا يعارض فعله ذاك صريحا، والاحتمال الذي ذكره هذا القائل هنا يحتمل أن يكون هناك أيضا، فسقط العمل بالاحتمالات فبقي الفعل والقول، والأخذ بالقول أولى لأنه أقوى.
8312 حدثنا فروة بن أبي المغراء قال أخبرنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لقل يوم كان يأتي على النبي صلى الله عليه وسلم إلا يأتي فيه بيت أبي بكر أحد طرفي النهار فلما أذن له في الخروج إلى المدينة لم يرعنا إلا وقد أتانا ظهرا فخبر به أبو بكر فقال ما جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الساعة إلا لأمر حدث فلما دخل عليه قال لأبي بكر أخرج من عندك قال يا رسول الله إنما هما ابنتاي يعني عائشة وأسماء قال أشعرت أنه قد اذن لي في الخروج قال الصحبة يا رسول الله قال الصحبة قال يا رسول الله إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج فخذ إحداهما قال قد أخذتها بالثمن..
مطابقته للترجمة من حيث إن لها جزأين: أما دلالته على الجزء الأول فظاهرة، لأنه، صلى الله عليه وسلم، لما أخذ الناقة من أبي بكر بقوله: قد أخذتها بالثمن الذي هو كناية عن البيع، تركه عند أبي بكر، فهذا يطابق قوله: فتركه عند البائع. وأما دلالته على الجزء الثاني، وهو قوله: أو مات قبل أن يقبض، فبطريق الإعلام أن حكم الموت قبل القبض حكم الوضع عند البائع قياسا عليه، ولكن البخاري لم يجزم بالحكم كما ذكرنا، لمكان الاختلاف فيه، ولكن تصدير الترجمة بأثر ابن عمر يدل على أن اختياره ما ذهب إليه ابن عمر، وهو أن الهالك في الصورة المذكورة من مال المبتاع.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: فروة، بفتح الفاء وسكون الراء، ابن أبي المغراء، بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وبالراء والمد، واسم أبي المغراء: معديكرب الكندي. الثاني: علي بن مسهر، بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء وبالراء: قاضي الموصل. الثالث: هشام بن عروة. الرابع: أبوه عروة بن الزبير بن العوام. الخامس: أم المؤمنين عائشة، رضي الله تعالى عنها.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد. وبصيغة الإخبار كذلك في موضع. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه: أن شيخه من أفراده، وأنه وعلي كوفيان وهشام وأبوه مدنيان.
وهذا الحديث من أفراده، وسيأتي في أول الهجرة مطولا، إن شاء الله تعالى.
ذكر معناه: قوله: (لقل يوم)، اللام جواب قسم محذوف، وقوله: (قل)، فعل ماض، وفيه معنى النفي أي: ما يأتي يوم عليه إلا يأتي فيه بيت أبي بكر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (بيت أبي بكر)، منصوب على المفعولية. قوله: (أحد)، نصب على الظرفية بتقدير في قوله: (لم يرعنا)، بفتح الياء وضم الراء وسكون العين المهملة: من الروع، وهو الفزع يعني: أتانا بغتة وقت الظهر.
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»