عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٢٤٨
صلى الله عليه وسلم قيل له: يا رسول الله! صاعنا أصغر الصيعان ومدنا أكبر الأمداد. فقال: (اللهم بارك لنا في صاعنا وبارك لنا في قليلنا وكثيرنا، واجعل لنا مع البركة بركتين). قال ابن حبان وفي ترك المصطفى صلى الله عليه وسلم الإنكار عليهم حيث قالوا: صاعنا أصغر الصيعان، بيان واضح أن صاع المدينة أصغر الصيعان، وروى الدارقطني من حديث إسحاق بن سليمان الرازي، قال: قلت: لمالك ابن أنس: يا أبا عبد الله! كم وزن صاع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: خمسة أرطال وثلث بالعراقي، وروى ابن أبي شيبة في (مصنفه): حدثنا يحيى ابن آدم. قال: سمعت حسن بن صالح يقول: صاع عمر، رضي الله تعالى عنه، ثمانية أرطال. وقال شريك: أكثر من سبعة أرطال وأقل من ثمانية. وروى البخاري في (صحيحه): عن السائب بن يزيد، قال: كان الصاع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم اليوم، فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، وروى الطحاوي عن ابن عمر أنه قال: حدثنا علي بن صالح وبشر بن الوليد جميعا عن أبي يوسف، قال: قدمت المدينة فأخرج إلي من أثق به صاعا، فقال: هذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم، فقدرته فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل، ثم قال: إن مالكا سئل عن ذلك، فقال: هو تقدير عبد الملك لصاع عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه. وروى الطحاوي أيضا من حديث إبراهيم، قال: عبرنا الصاع فوجدنا حجاجيا والحجاجي عندهم ثمانية أرطال بالبغدادي. انتهى. وأيضا: الأصل خلاف التقدير، وأيضا فلا ضرورة إليه. وأما وجه الضمير في رواية: مدهم، فهو أن يعود إلى أهل المدينة. وإن لم يمض ذكرهم، لأن القرينة اللفظية تدل على ذلك، وهو لفظ الصاع والمد، ولأن أهل المدينة اصطلحوا على لفظ: الصاع والمد، كما أن أهل العراق اصطلحوا على لفظ: المكوك. قال عياض: المكوك مكيال أهل العراق يسع صاعا ونصف صاع بالمدني، وكما أن أهل مصر اصطلحوا على: القدح، والربع والويبة، وإذا ذكر الصاع والمد يتبادر أذهان الناس غالبا إلى أنهما لأجل المدينة.
فيه عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أي: في صاع النبي صلى الله عليه وسلم، أي: في دعائه صلى الله عليه وسلم بالبركة فيه، روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مضى هذا في آخر كتاب الحج في حديث طويل عن عائشة، وفيه: (اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا).
9212 حدثنا موسى قال حدثنا وهيب قال حدثنا عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم الأنصاري عن عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لمكة.
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن ما دعا فيه النبي صلى الله عليه وسلم ففيه البركة. وموسى هو ابن إسماعيل، ووهيب بالتصغير ابن خالد البصري، وعمرو بن يحيى بن عمارة الأنصاري المدني، وعبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري النجاري المازني.
والحديث أخرجه مسلم في المناسك عن قتيبة وعن أبي كامل الجحدري، وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن إسحاق بن إبراهيم.
والكلام في حرم مكة وحرم المدينة قد مضى في كتاب الحج. وفيه: الدعاء لما ذكر وهو علم من أعلام نبوته، صلى الله عليه وسلم، فما أكثر بركته، وكم يؤكل ويدخر وينقل إلى سائر بلاد الله تعالى؟ والمراد بالبركة في المد والصاع ما يكال بهما، وأضمر ذلك لفهم السامع، وهذا من باب تسمية الشيء باسم ما قرب منه، كذا قيل. قلت: هذا من باب ذكر المحل وإرادة الحال. فافهم.
0312 حدثني عبد الله بن مسلمة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أللهم بارك لهم في مكيالهم وبارك لهم في صاعهم ومدهم يعني أهل المدينة.
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 ... » »»