عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ١٩
هناك أن حديث عامر بن ربيعة هذا أخرجه أبو داود والترمذي موصولا، وإنما ذكر في الموضعين بصيغة التمريض، لأن في سنده: عاصم بن عبيد الله، قال البخاري: منكر الحديث، وقد استوفينا الكلام فيه هناك، فليرجع إليه من يريد الوقوف عليه.
وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء مطابقته للترجمة من حيث إن قوله: (بالسواك) أعم من السواك الرطب والسواك اليابس، ومضمون الحديث يقتضي إباحته في كل وقت، وفي كل حال، ووصل هذا التعليق النسائي عن سويد بن نصر: أخبرنا عبد الله عن عبيد الله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، وفي (الموطأ): عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال: (لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع كل وضوء)، قال أبو عمر: هذا يدخل في المسند عندهم لاتصاله من غير ما وجه، وبهذا اللفظ رواه أكثر الرواة عن مالك، ورواه بشر بن عمر وروح بن عبادة عن مالك عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)، وأخرجه ابن خزيمة في (صحيحه) من حديث روح، ورواه الدارقطني في (غرائب مالك) من حديث إسماعيل بن أبي أويس، وعبد الرحمن بن مهدي ومطرف بن عبد الرحمن وابن عتمة بما يقتضي أن لفظهم: (مع كل وضوء)، ورواه الحاكم في (مستدركه) مصححا بلفظ: (لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء)، ورواه المثنى عنه: (مع كل طهارة)، ورواه أبو معشر عنه: (لولا أن أشق على الناس لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع الوضوء بسواك). والله أعلم.
ويروى نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم أي: يروى نحو حديث أبي هريرة عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وعن زيد بن خالد الجهني أبو عبد الرحمن من مشاهير الصحابة، وهذان التعليقان رواهما أبو نعيم الحافظ. فالأول من حديث إسحاق بن محمد الفروي عن عبد الرحمن بن أبي الموالي عن عبد الله بن عقيل عنه بلفظ: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، والثاني من حديث ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة عن زيد، ولفظه: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وإنما ذكره بصيغة التمريض لأجل محمد بن إسحاق فإنه لم يحتج به، ولكن ذكره في (المتابعات). وأما الأول فضعفه ظاهر بابن عقيل الفروي، فإنه مختلف فيه، وروى ابن عدي حديث جابر من وجه آخر بلفظ: (لجعلت السواك عليهم عزيمة)، وإسناده ضعيف. فإن قلت: هل فرق بين قوله: (نحوه)، وبين قوله: (مثله؟) قلت: إذا كان الحديثان على لفظ واحد يقال: مثله، وإذا كان الثاني على مثل معاني الأول يقال: نحوه.
واختلف أهل الحديث فيما إذا روى الراوي حديثا بسنده ثم ذكر سندا آخر ولم يسق لفظ متنه، وإنما قال بعده: مثله، أو: نحوه، فهل يسوغ للراوي عنه أن يروي لفظ الحديث المذكور أولا لإسناد الثاني أم لا؟ على ثلاثة مذاهب. أظهرها: أنه لا يجوز مطلقا. وهو قول شعبة ورجحه ابن الصلاح وابن دقيق العيد. والثاني: أنه إن عرف الراوي بالتحفظ والتمييز للألفاظ جاز، وإلا فلا، وهو قول الثوري وابن معين. والثالث: وهو اختيار الحاكم: التفرقة بين قوله: مثله، وبين قوله: نحوه، فإن قال: مثله، جاز بالشرط المذكور، وإن قال: نحوه، لم يجز، وهو قول يحيى بن معين. وقال الخطيب: هذا الذي قاله ابن معين بناء على منع الرواية بالمعنى، فأما على جوازها فلا فرق.
ولم يخص الصائم من غيره هذا من كلام البخاري أي: لم يخص النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه من الصحابة أبو هريرة وجابر وزيد بن خالد المذكور الآن الصائم من غير الصائم، ولا السواك اليابس من غيره، فيدخل في عموم الإباحة كل جنس من السواك رطبا أو يابسا، ولو افترق الحكم فيه بين الرطب واليابس في ذلك لبينه، لأن الله عز وجل فرض عليه البيان لأمته.
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»