عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ١٦٠
الشافعي: في قوله هذا أربعة أقوال: أحدها: أنه عامة، فإن لفظها لفظ عموم يتناول كل بيع، أو يقتضي إباحة جميعها إلا ما خصه الدليل. قال في (الأم): وهذا أظهر معاني الآية الكريمة، وقال صاحب (الحاوي): والدليل لهذا القول أن النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيوع كانوا يعتادونها ولم يبين الجائز، فدل على أن الآية تناولت إباحة جميع البيوع إلا ما خص منها وبين صلى الله عليه وسلم المخصوص. القول الثاني: إن الآية مجملة لا يعتقل منها صحة بيع من فساده إلا ببيان من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. القول الثالث: يتناولهما جميعا، فيكون عموما دخله التخصيص، ومجملا لحقه التفسير لقيام الدلالة عليهما. القول الرابع: أنها تناولت بيعا معهودا، ونزلت بعد أن أحل النبي، صلى الله عليه وسلم، بيوعا وحرم بيوعا فقوله: * (أحل الله البيع) * (البقرة: 752). أي: البيع الذي بينه صلى الله عليه وسلم من قبل، وعرفه المسلمون منه، فتناولت الآية بيعا معهودا، ولهذا دخلت الألف واللام لأنهما للعهد، وأجمعت الأمة على أن المبيع بيعا صحيحا يصير بعد انقضاء الخيار ملكا للمشتري قال الغزالي: أجمعت الأمة على أن البيع سبب لإفادة الملك.
ثم إن البخاري ذكر هذه القطعة من الآية الكريمة التي أولها: * (الذين يأكلون الربوا) * إلى قوله: * (هم فيها خالدون) * إشارة إلى أمور: منها: أن مشروعية البيع بهذه. ومنها: أن البيع سبب للملك. ومنها: أن الربا الذي يعمل بصورة البيع حرام. قوله: وقوله: * (إلا أن تكون) * (البقرة: 282). إلى آخره، عطف على قوله: (وقول الله عز وجل) وهذه قطعة من آية المداينة، وهي أطول آية في القرآن. أولها قوله: * (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين) * (البقرة: 282). وأخراها: * (والله بكل شيء عليم) * وقال الثعلبي: أي: لكن إذا كانت تجارة، وهو استثناء منقطع، أي: إلا التجارة، فإنها ليست بباطل إذا كان البيع بالحاضر يدا بيد، فلا بأس بعدم الكتابة لانتفاء المحذور في تركها. وقرأ أهل الكوفة: تجارة، بالنصب وهو اختيار أبي عبيد، وقرأ الباقون بالرفع، واختاره أبو حاتم، وقال الزمخشري: قرىء: * (تجارة حاضرة) * (البقرة: 282). بالرفع على كان التامة. وقيل: هي الناقصة، على أن الاسم: تجارة، والخبر * (تديرونها) * (البقرة: 282). وبالنصب على إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة. قوله: * (حاضرة) * يعني: يدا بيد * (تديرونها بينكم) * وليس فيها إجمال. أباح الله ترك الكتابة فيها لأن ما يخاف من النساء والتأجيل يؤمن فيه، وأشار بهذه القطعة من الآية أيضا إلى مشروعية البيع بهذه، والله أعلم.
1 ((باب ما جاء في قول الله تعالى * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين وقوله لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * (الجمعة: 01، 11).)) أي: هذا باب في بيان ما جاء في قوله عز وجل: * (فإذا قضيت الصلاة) * (الجمعة: 01، 11). إلى آخرالآية هذه، والتي بعدها من سورة الجمعة، وهي مدنية، وهي سبعمائة وعشرون حرفا ومائة وثمانون كلمة، وإحدى عشرة آية قوله: * (فإذا قضيت الصلاة) * (الجمعة: 01، 11). أي: فإذا أديت، والقضاء يجيء بمعنى: الأداء، وقيل: معناه إذا فرغ منها: * (فانتشروا في الأرض) * (الجمعة: 01، 11). للتجارة والتصرف في حوايجكم * (وابتغوا من فضل الله) * (الجمعة: 01، 11). أي: الرزق، ثم أطلق لهم ما حظر عليهم بعد قضاء الصلاة من الانتشار وابتغاء الربح مع التوصية بإكثار الذكر، وأن لا يلهيهم شيء من التجارة ولا غيرها عنه، والأمر فيهما للإباحة والتخيير كما في قوله تعالى: * (وإذا حللتم فاصطادوا) * (المائدة: 2). وقيل: هو أمر على بابه، وقال الداودي، هو على الإباحة لمن له كفاف أو لا يطيق التكسب، وفرض على من لا شيء له ويطيق التكسب، وقيل: من يعطف عليه بسؤال أو غيره ليس طلب الكفاف عليه بفريضة. قوله: * (واذكروا الله كثيرا) * (الجمعة: 01، 11). أي: على كل حال، ولعل من الله واجب، والفلاح: الفوز والبقاء. قوله: * (وإذا رأوا تجارة) * (الجمعة: 01، 11). سبب نزولها ما روي (عن جابر بن عبد الله، قال: أقبلت عير ونحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة، فانفض الناس إليها، فما بقي غير اثني عشر رجلا وأنا فيهم، فنزلت: * (وإذا رأوا تجارة) * (الجمعة: 01، 11). وروي أن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء شديد، فقدم دحية بن خليفة بتجارة من زيت الشام، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع، خشوا أن يسبقوا إليه، فلم يبق
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»