عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ١٠٩
9891 حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثنا ابن وهب أو قريء عليه قال أخبرني عمر و عن بكير عن كريب عن ميمونة رضي الله تعالى عنها أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون.
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في وجه مطابقة الحديث الذي قبله.
ذكر رجاله وهم ستة: الأول: يحيى ابن سليمان بن يحيى أبو سعيد الجعفي، قدم مصر وحدث بها وتوفي بها سنة ثمان، ويقال: سبع وثلاثين ومائتين. الثاني: عبد الله ابن وهب. الثالث: عمرو بن الحارث. الرابع: بكير بن عبد الله بن الإشج. الخامس: كريب بن أبي مسلم القرشي مولى عبد الله بن عباس. السادس: ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين والإخبار بصيغة الإفراد في موضع. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: اثنان من الرواة مصغران: بكير وكريب. وفيه: أن شيخه من أفراده وهو كوفي الأصل وابن وهب وعمرو مصريان، والبقية مدنيون، وفيه: قوله: أو قرىء عليه، شك من يحيى في أن الشيخ قرأ، أو قرىء على الشيخ؟.
والحديث أخرجه مسلم في الصوم أيضا عن هارون بن سعيد الأيلي، رحمه الله تعالى.
ذكر معناه: قوله: (شكوا)، بتشديد الكاف في صيام النبي، صلى الله عليه وسلم، منهم من قال: إنه صائم بناء على عادتهم في الحضر، ومنهم من قال: إنه غير صائم لكونه مسافرا، وقد عرف نهيه عن صوم الفرض في السفر فضلا عن النفل. قوله: (بحلاب)، بكسر الحاء المهملة وتخفيف اللام، وهو الإناء الذي يحلب فيه اللبن، وقيل: الحلاب اللبن المحلوب، وقد يطلق على الإناء ولو لم يكن فيه لبن.
ذكر ما يستفاد منه: استدل بهذين الحديثين على استحباب الفطر يوم عرفة بعرفة، وفيه نظر، لأن فعله المجرد لا يدل على نفي الاستحباب، إذ قد يترك الشيء المستحب لبيان الجواز، ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ، نعم يتم الاستدلال بما رواه أبو داود والنسائي من طريق عكرمة: (أن أبا هريرة حدثهم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة)، وصححه ابن خزيمة والحاكم، وأخذ بظاهره بعض السلف فنقل عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: يجب فطر يوم عرفة للحاج، وقال الطبري: إنما أفطر، صلى الله عليه وسلم، بعرفة ليدل على الاختيار للحجاج، لكن بأن لا يضعف عن الدعاء والذكر المطلوب يوم عرفة، وقيل: إنما أفطر لموافقته يوم الجمعة، وقد نهى عن إفراده بالصوم، وقيل: لأنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه، ويؤيد ما رواه أصحاب السنن عن عقبة بن عامر مرفوعا، يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى وعيدنا أهل الإسلام.
وفيه: أن العيان أقطع للحجة، وأنه فوق الخبر. وفيه: أن الأكل والشرب في المحافل مباح، ولا كراهة فيه للضرورة، وفيه: تأسي الناس بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه: البحث والاجتهاد في حياته، صلى الله عليه وسلم، والمناظرة في العلم بين الرجال والنساء، والتحيل على الاطلاع على الحكم بغير سؤال. وفيه: فطنة ميمونة وأم الفضل أيضا لاستكشافهما عن الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللائقة بالحال، لأن ذلك كان في يوم حر بعد الظهيرة، قيل: لم ينقل أنه، صلى الله عليه وسلم، ناول فضله أحدا، فلعله علم أنها خصته به، فيؤخذ منه مسألة التمليك المقيد، وفيه نظر، وقد وقع في حديث ميمونة (فشرب منه)، فهذا يدل على أنه لم يستوف شربه، والله أعلم.
66 ((باب صوم يوم الفطر)) أي: هذا باب في بيان صوم يوم الفطر ما حكمه؟ لم يصرح بالحكم اكتفاء بما يذكر في الحديث على عادته، قيل: لعله أشار إلى الخلاف فيمن نذر صوم يوم فوافق يوم العيد، هل ينعقد نذره أم لا؟ قلت: إذا قال: لله علي صوم يوم النحر، أفطر وقضى، فهذا النذر صحيح عندنا مع إجماع الأمة على أن صومه وصوم الفطر منهيان.
قال مالك: لو نذر صوم يوم فوافق يوم
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»