عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٨٨
أبو عمر: روى هذا الحديث غير واحد عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن النبي، صلى الله عليه وسلم، مرسلا، والصحيح اتصاله، كذا رواه معمر ويونس والزبيدي وعقيل، كلهم عن ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في البيوع، وفي الذبائح عن زهير بن حرب. وأخرجه مسلم في الطهارة عن أبي الطاهر وحرملة، وعن الحسن بن علي وعبد بن حميد وعن يحيى بن يحيى وعمرو الناقد. وأخرجه أبو داود في اللباس عن عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن أحمد، وعن مسدد. وأخرجه النسائي في الذبائح عن محمد بن مسلمة والحارث بن مسكين وعن عبد الملك بن شعيب وروى مسلم من حديث عطاء: (عن ابن عباس عن ميمونة أخبرته: أن داجنا كانت لبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فماتت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخذتم إهابها فاستمتعتم به؟) وفي رواية أبي داود: (مر النبي صلى الله عليه وسلم برجال من قريش يجرون شاة، فقال: لو أخذتم إهابها؟ قالوا: إنها ميتة. قال: يطهره الماء والقرظ). وفي رواية لأحمد (عن ابن عباس: ماتت شاة لسودة بنت زمعة، فقالت: يا رسول الله ماتت فلان، يعني الشاة، فقال: لولا أخذتم مسكها؟ فقالت: تأخذ مسك شاة قد ماتت؟ فقال: إنكم لا تطعمونه تنتفعون به. قال: فأرسلت إليها فسلخت مسكها فدبغته واتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها). وعند البخاري (عن سودة: ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها...) الحديث موقوف، وعند مسلم عنه مرفوعا (إذا دبغ الإهاب فقد طهر)، وفي لفظ: (دباغه طهوره)، وعند ابن شاهين سئل عن جلود الميتة فقال: طهورها دباغها، وفي لفظ مرفوع: (استمتعوا بجلود الميتة إذا دبغت ترابا كان أو رمادا أو ملحا أو ما كان، بعد أن يزيد صلاحه). قال الدارقطني: في إسناده معروف بن حسان منكر الحديث، وفي كتاب ابن سعد: قال محمد بن الأشعث لعائشة: ألا نجعل لك فروا تلبسيه فإنه أدفأ لك؟ قالت: إني لأكره جلود الميتة. فقال: أنا أقوم عليه ولا أجعله إلا ذكيا، فجعله لها فكانت تلبسه، رواه معن ومطرف، قالا: حدثنا مالك عن نافع عن القاسم بن محمد به، وروى أبو داود بسند جيد من حديث قتادة عن الحسن عن الجون بن قتادة (عن سلمة بن المحبق أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مر ببيت بفنائه قربة معلقة، فاستسقى فقيل: إنها ميتة، فقال: زكاة الأديم دباغه). وفي رواية: في غزوة تبوك. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعند أحمد بسند جيد (عن جابر: كنا نصيب مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مغانمنا من المشركين الأسقية والأوعية فنقسمها وكلها ميتة). وروى الدارقطني من حديث أم سلمة: أنها ماتت لها شاة، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: أفلا انتفعتم بإهابها؟ فقالوا: إنها ميتة. فقال: إن دباغتها يحل كما يحل الخمر الملح. قال: تفرد به الفرج بن فضالة وهو ضعيف، ورواه أيضا من حديث يوسف بن السفر، قال: وهو متروك، ومن حديث أبي قيس الأودي عن هزيل بن شرحبيل عن أم سلمة أو زينب أو غيرهما من أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم: (إن ميمونة ماتت لها شاة...) الحديث.
فإن قلت: جاءت أحاديث تخالف الأحاديث المذكورة. منها: حديث رواه أحمد في (مسنده) من حديث حبيب بن أبي ثابت عن رجل عن أم سلمان الأشجعية أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاها وهي في قبة، فقال: ما أحسن هذه إن لم يكن فيها ميتة؟ قالت: فجعلت أتتبعها. ومنها: حديث رواه ابن حبان في (صحيحه) عن عبد الله بن عكيم، قال: (كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر: أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب)، ثم قال: ذكر البيان بأن ابن عكيم شهد قراءة كتاب النبي صلى الله عليه وسلم بأرض جهينة، ثم ذكر عنه، قال: قرىء علينا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولما رواه أحمد في مسنده قال: ما أصلح إسناده. ومنها: حديث رواه أبو حفص بن شاهين من حديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينتفع من الميتة بعصب أو إهاب. ومنها: حديث جابر رواه ابن شاهين أيضا من حديث أبي الزبير عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ينتفع من الميتة بشيء) ورواه ابن جرير الطبري أيضا. ومنها: حديث رواه أبو داود والترمذي وصححه: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع أن تفترش.
قلت: حديث أم سلمان محمول على أنه لم يكن مدبوغا. وحديث ابن عكيم معلول بأمور ثلاثة: الأول: أنه مضطرب سندا ومتنا وقد بيناه في شرحنا للهداية. والثاني: الاختلاف في صحبته، فقال البيهقي وغيره لا صحبة له. والثالث: أنه روى عنه أنه سمع من الناس الداخلين عليه وهم مجهولون، ولئن صح فلا
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»