عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٧٢
لم يصححه البخاري، ولأنه لا يلزم من كونه غير صحيح أن لا يحتج به، فإن الحسن، وإن لم يبلغ درجة الصحيح، فهو يحتج به، ولأن النحل تتناول من الأنوار والثمار وفيها العشر.
3841 حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر.
مطابقته للترجمة في قوله: (فيما سقت السماء)، ورجاله قد تكرر ذكرهم، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري يروي عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهم.
والخديث أخرجه أبو داود في الزكاة أيضا عن هارون بن سعيد الأيلي عن ابن وهب. وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن الحسن الترمذي عن سعيد بن أبي مريم به. وأخرجه النسائي وابن ماجة جميعا فيه عن هارون بن سعيد به.
ذكر معناه: قوله: (فيما سقت السماء) أي: المطر لأنه ينزل منه قال تعالى: * (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) * (الفرقان: 84). وهو من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال. قوله: (أو كان عثريا)، بفتح العين المهملة والثاء المثلثة المخففة وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف: وهو ما يشرب بعروقه من غير سقي، قاله الخطابي، وقال الداودي: وهو ما يسيل إليه ماء المطر وتحمله إليه الأنهار، سمي بذلك لأنه يكسر حوله الأرض ويعثر جريه إلى أصول النخل بتراب هناك يرتفع، وقال صاحب (المطالع): قيل له ذلك لأنه يصنع له شبه الساقية يجتمع فيه الماء من المطر إلى أصوله، ويسمى ذلك: العاثور، وفي (المغيث) لأبي موسى: هو الذي يشرب بعروقه من ماء يجتمع في حفير، وسمي به لأن الماشي يتعثر فيه، وقال ابن فارس: العثري ما سقي من النخل سيحا، وكذا قاله الجوهري وصاحب (الجامع) و (المنتهى) ولفظ الحديث يرد عليهم لأنه عطف العثري على قوله: (فيما سقت السماء والعيون) والمعطوف غير المعطوف عليه، والصواب ما قاله الخطابي. وقال الهجري: يجوز فيه تشديد الثاء المثلثة، وحكاه ابن سيده في (المحكم) عن ابن الأعرابي، ورده ثعلب. وفي (المثنى والمثلث) لابن عديس: فيه ضم العين وفتحها وإسكان الثاء. قلت: هو منسوب إلى العثر، بسكون الثاء، لكن الحركة من تغييرات النسب. قوله: (العشر) مبتدأ وخبره هو قوله: (فيما سقت السماء)، تقديره: العشر واجب، أو: يجب فيما سقت السماء. قوله: (أو كان) الضمير فيه يرجع إلى لفظ: مسقي مقدر تقديره: أو كان المسقي عثريا، ودل على ذلك قوله: (فيما سقت). قوله: (وفيما سقي بالنضح) تقديره: وفيما سقي بالنضح (نصف العشر) أي: يجب أو واجب، و: النضح، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة وفي آخره حاء مهملة: وهو ما سقي بالسواني، وقال بعضهم: النضح ما سقي بالدوالي والرشاء، والنواضح الإبل التي يستقى عليها، وأحدها: ناضح، والأنثى: ناضحة، وقال بعضهم: بالنضح أي: بالسانية، وهي رواية مسلم. قلت: رواية مسلم عن جابر، رضي الله تعالى عنه، ولفظه: (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: فيما سقت الأنهار والغيم العشر، وفيما سقي بالسانية نصف العشر). وأما حديث ابن عمر فرواه أبو داود، ولفظه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلا العشر، وفيما سقي بالسواني والنضح نصف العشر). قوله: (أو كان بعلا)، بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وفي آخره لام: وهو ما يشرب من النخل بعروقه من الأرض من غير سقي سماء ولا غيرها والسواني: جمع سانية، وهي الناقة التي يستقى عليها. وقيل: السانية الدلو العظيمة، والأنهار التي تستقى بها، والنضح قد مر تفسيره. فإن قلت: قد علمت أن النضح هو السانية، فكيف وجه رواية أبي داود بالسواني أو النضح؟ قلت: الظاهر أن هذا شك من الراوي بين السواني والنضح، أراد أن لفظ الحديث أما فيما سقي بالسواني، وأما فيما سقي بالنضح، وأما العشر، فقد قال ابن بزيزة في (شرح الأحكام): وهو بضم العين والشين وسكونها، ومنهم من يقول: العشور، بفتح العين وضمها أيضا. وقال القرطبي: وأكثر الرواة بفتح العين، وهو اسم للقدر المخرج. وقال الطبري: العشر، بضم العين وسكون الشين، ويجمع على: عشور، قال: والحكمة في فرض العشر أنه يكتب بعشرة أمثاله، فكأن المخرج للعشر تصدق بكل ماله. فافهم.
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»