عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٢٥٤
8061 وقال محمد بن بكر أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه قال ومن يتقي شيئا من البيت وكان معاوية يستلم الأركان فقال له ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنه لا يستلم هاذان الركنان فقال ليس شيء من البيت مهجورا وكان ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما يستلمهن كلهن.
مطابقته للترجمة في قوله: (لا يستلم هذان الركنان) أي: الركنان الشاميان، فإذا لم يستلما ينحصر الاستلام على الركنين اليمانيين، وهذا الحديث معلق، علقه عن محمد بن بكر البرساني، بضم الباء الموحدة وسكون الراء وبالسين المهملة وبالنون: نسبة إلى برسان، حي من الأزد، وقد تقدم في: باب تضييع الصلاة، وهو يروى عن عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أبي الشعثاء، مؤنث الأشعث، وقد تقدم في: باب الغسل بالصاع، وقد وصل هذا التعليق الإمام أحمد في (مسنده) فقال: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر والثوري (و) حدثنا روح حدثنا الثوري عن ابن خيثم (عن أبي الطفيل، قال: كنت مع ابن عباس ومعاوية، فكان معاوية لا يمر بركن إلا استلمه، فقال له عبد الله بن عباس: لا يستلم هذا الركنان) (ح) قال: وحدثنا روح، حدثنا سعيد وعبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن أبي الطفيل (و) حدثنا مروان بن شجاع حدثني خصيف عن مجاهد عن ابن عباس، فذكره.
وأخرجه مسلم من حديث عمرو بن الحارث عن قتادة دون قصة معاوية بلفظ: (لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم غير الركنين اليمانيين)، ووصله الترمذي والحاكم من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الطفيل، قال: كنت مع ابن عباس ومعاوية، فكان معاوية لا يمر بركن إلا استلمه، فقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستلم إلا الحجر واليماني، فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجور، أو روى أحمد أيضا من طريق شعبة عن قتادة (عن أبي الطفيل، قال: حج معاوية وابن عباس، فجعل ابن عباس يستلم الأركان كلها، فقال معاوية إنما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين الركنين اليمانيين، فقال ابن عباس: ليس من أركانه شيء مهجور)، قال عبد الله بن أحمد في (العلل): سألت أبي عنه فقال: قلبه شعبة، يقول: الناس يخالفونني في هذا، ولكنه سمعته من قتادة هكذا. انتهى. وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة على الصواب أخرجه أحمد أيضا.
ذكر معناه: قوله: (ومن يتقي شيئا؟) كلمة: من، استفهامية على سبيل الإنكار، فلذلك لم يحذف الياء من: يتقي، ويجوز أن تكون شرطية على رواية من يروي: فكان معاوية، بالفاء، وذلك على لغة من لا يوجب الجزم فيه. قوله: (وكان معاوية يستلم الأركان) أي: الأركان الأربعة، أي: اليمانيان والشاميان، والركن الأسود فيه فضيلتان: كون الحجر الأسود فيه وكونه على قواعد إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، واليماني فيه الفضيلة الثانية فقط. وأما الشاميان فليس شيء من الفضيلتين، فلذا اختص الأسود بشيئين: الاستلام والقبلة، وأما اليماني فيستلم ولا يقبل، لأن فيه فضيلة واحدة. وأما الآخران فلا يستلمان ولا يقبلان، وقال التيمي: الركنان اللذان يليان الحجر ليسا بركنين أصليين، لأن وراء ذلك الحجر، وهو من البيت فلو رفع جدار الحجر وضم إلى الكعبة في البناء كما كان على بناء إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، لكان يستلمان. والله أعلم. قوله: (إنه)، أي: إن الشان. قوله: (لا يستلم)، على صيغة المجهول الغائب، هكذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية الحموي والمستملي: (لا نستلم هذين الركنين)، بالنون في أوله على صيغة المتكلم. وقوله: (هذين الركنين) بالنصب مفعوله. قوله: (مهجورا)، بالنصب ويجوز رفعه على أن يكون صفة لقوله: شيء. قوله: (وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن) أي: وكان عبد الله بن الزبير، رضي الله تعالى عنهما، يستلم الأركان كلها، وهذا وصله ابن أبي شيبة من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير: أنه رأى أباه عبد الله بن الزبير يستلم الأركان كلها، وقال: إنه ليس شيء منه مهجورا وفي مسند الشافعي رحمه الله أنبأنا موسى الربذي عن محمد بن كعب أن ابن عباس كان يمسح على الركن اليماني والحجر، وكان ابن الزبير يمسح الأركان كلها، ويقول: لا ينبغي لبيت الله أن يكون شيء منه مهجورا، وكان ابن عباس يقول: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، وروى ابن أبي شيبة من حديث ابن أبي ليلى، عن عطاء عن يعلى بن أمية، ورآه عمر، رضي الله تعالى عنه، يستلم الأركان كلها: يا يعلى ما نفعل؟
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»