عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٢٥
رواه ابن ماجة وفي حديث أبي رزين العقيلي أخرجه أصحاب السنن الأربعة، وفي حديث سودة رواه أحمد في (مسنده) وفي حديث عبد الله بن الزبير أخرجه النسائي: أن السائل رجل سأله عن أبيه. وفي حديث سنان بن عبد الله أن عمته حدثته رواه الطبراني، وقد ذكرناه عن قريب، وفيه: (أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله توفيت أمي...) الحديث. والجمع بين هذه الروايات ما قاله شيخنا زين الدين، رحمه الله: إن السؤال وقع مرات: مرة من امرأة عن أبيها، ومرة من امرأة عن أمها، ومرة عن رجل عن أمه، ومرة من رجل عن أبيه، ومرة من رجل عن أخيه، ومرة في السؤال عن الشيخ الكبير، ومرة في الحج عن الميت. فإن قلت: هل يعلم السائل عن هذا رجلا كان أو امرأة؟ قلت: أما الرجل فقد سمي من السائلين، من ذلك حصين بن عوف، كما ذكره ابن ماجة وسمى منهم: أبو رزين لقيط بن عامر، كما هو عند أصحاب السنن، وأما النساء فلم يسم منهن أحد إلا في رواية سنان بن عبد الله الجهني أن عمته حدثته أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم، وعمته لم تسم، وفي حديث النسائي (إن أحد النساء، امرأة سنان بن سلمة الجهني، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمها ماتت) الحديث. والمرأتان ذكرتا في الحج عن الميت لا عن المعضوب، وهو بالعين المهملة والضاد المعجمة: الزمن الذي لا حراك به. قوله: (فجعل الفضل)، كلمة: جعل، من أفعال المقاربة، وجعل وضع لدنو الخبر على وجه الشروع فيه، والأخذ في فعله. وقوله: (الفضل) اسم جعل وقوله: (ينظر إليها) في محل النصب خبره إلى المرأة المذكرة قوله (وتنظر إليه) أي تنظر المرأة إلى الفضل والكلام في قوله: (وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف) مثل الكلام في: (جعل الفضل). قوله: (إلى الشق) أي: إلى الجنب الآخر، وهو بكسر الشين المعجمة وتشديد القاف. قوله: (شيخا)، نصب على الحال وكبيرا صفة شيخا. وقوله: لا يثبت أيضا في محل النصب على الحال، فهما حالان متداخلتان، ويجوز أن يكون: لا يثبت، صفة لشيخا، ومعناه: وجب عليه الحج بأن أسلم وهو شيخ، وحصل له المال في هذه الحالة. قوله: (أفأحج عنه؟) الهمزة للاستفهام، والفاء عاطفة على مقدر بعد الهمزة، والتقدير: أنوب عنه فأحج؟ وإنما قدرنا هكذا لأن الهمزة تقتضي الصدارة والفاء تقتضي عدمها. قوله: (وذلك في حجة الوداع)، بكسر الحاء وفتحها، وسميت بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها، وليست هذه الإضافة للتقييد التمييزي لأنه لم يحج بعد الهجرة إلا حجة واحدة، وهي هذه الحجة.
ذكر ما يستفاد منه فيه: جواز الإرداف إذا كانت الدابة مطيقة، والإرداف للسادة والرؤساء سائغ، ولا سيما في الحج لتزاحم الناس، ومشقة سير الرجالة، ولأن الركوب فيه أفضل كما سيجيء إن شاء الله تعالى. وفيه: دلالة على أن المرأة تكشف وجهها في الإحرام، وهو إجماع كما حكاه أبو عمر، ويحتمل كما قال ابن التين: أنها سدلت ثوبا على وجهها. وفيه: في نظر الفضل مغالبة طباع البشر لابن آدم وضعفه عما ركب فيه من الشهوات. وفيه: أن العالم يغير ما أمكنه إذا رآه واستدل ابن المنذر من حديث ابن عباس، قال: (كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فجعل الفضل يلاحظ النساء وينظر إليهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن أخي هذا يوم، من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له). ولم ينقل أنه نهى المرأة عن النظر إليه، وكان الفضل، وسيما، أي: جميلا، ويحتمل أن يكون الشارع اجترأ بنفع الفضل لما رأى أنها تعلم بذلك منع نظرها إليه، لأن حكمهما واحد، أو تنبهت لذلك، أو كان ذلك الموضع هو محل نظره الكريم فلم يصرف نظرها، وقال الداودي: فيه: احتمال أن ليس على النساء غض أبصارهن عن وجوه الرجال، إنما تغضضن عن عورتهن. وقال بعض المالكية: ليس على المرأة تغطية وجهها لهذا الحديث، وإنما على الرجل غض البصر، وقيل: إنما لم يأمرها بتغطية وجهها لأنه محل إحرامها، وصرف وجه الفضل بالفعل أقوى من الأمر، وذهب ابن عباس وابن عمر، رضي الله تعالى عنهم، إلى أن المراد في قوله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * (النور: 13). أي: الوجه والكفان. وفيه: جواز الحج عن غيره إذا كان معضوبا، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال مالك والليث والحسن بن صالح: لا يحج أحد عن أحد إلا عن ميت لم يحج حجة الإسلام، وحاصل ما في مذهب مالك ثلاثة أقوال مشهورها: لا يجوز، ثانيها: يجوز من الولد. ثالثها: يجوز إن أوصى به، وعن النخعي وبعض السلف: لا يصح الحج عن ميت ولا عن غيره، وهي رواية
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»