عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ٩٦
(إن الله لم يكتب علينا السجود إلا أن نشاء)، وهذا ينفي الوجوب. قالوا: قال عمر هذا القول والصحابة حاضرون، والإجماع السكوتي حجة عندهم، واحتجوا أيضا بحديث زيد بن ثابت الآتي، (قال: قرىء على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد فيها). وبحديث الأعرابي: (هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع). أخرجه البخاري ومسلم، وبحديث سلمان، رضي الله تعالى عنه؛ (أنه دخل المسجد وفيه قوم يقرأون فقرأوا السجدة، فسجدوا فقال له صاحبه: يا أبا عبد الله لولا أتينا هؤلاء القوم؟ فقال ما لهذا غدونا). رواه ابن أبي شيبة.
واستدلوا بالمعقول من وجوه: الأول: أنها لو كانت واجبة لما جازت بالركوع كالصلبية. الثاني: أنها لو كانت واجبة لما تداخلت. الثالث: لما أديت بالإيماء من راكب يقدر على النزول. الرابع: أنها تجوز على الراحلة، فصار كالتأمين. الخامس: لو كانت واجبة لبطلت الصلاة بتركها كالصلبية.
الجواب عن حديث زيد بن ثابت أن معناه: أنه لم يسجد على الفور، ولا يلزم منه أنه ليس في النجم سجدة، ولا فيه نفي الوجوب. وعن حديث الأعرابي: أنه في الفرائض، ونحن لم نقل: إن سجدة التلاوة فرض، وما روي عن سلمان وعمر، رضي الله تعالى عنهما، فموقوف وهو ليس بحجة عندهم.
والجواب: عن دليلهم العقلي. أما عن الأول: فلان أداءها في ضمن شيء لا ينافي وجوبها في نفسها، كالسعي إلى الجمعة يتأدى بالسعي إلى الجمعة يتأدى بالسعي إلى التجارة. وعن الثاني: إنما جاز التداخل لأن المقصود منها إظهار الخضوع والخشوع، وذلك يحصل بمرة واحدة. وعن الثالث: لأنه أداها كما وجبت، فإن تلاوتها على الدابة مشروعة فكان كالشروع على الدابة في التطوع. وعن الرابع: كانت تلاوتها مشروعة على الراحلة فلا ينافي الوجوب. وعن الخامس: أن القياس على الصلبية فاسد، لأنها جزء في الصلاة، وسجدة التلاوة ليست بجزء الصلاة.
الثالث: في أنهم اختلفوا في عدد سجود القرآن على اثني عشر قولا: الأول: مذهبنا أنها: أربع عشرة سجدة: في آخر الأعراف، والرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، والأولى في الحج، والفرقان، والنمل، وآلم تنزيل، وص، وحم السجدة، والنجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك. الثاني: إحدى عشرة، بإسقاط الثلاث من المفصل، وبه قال الحسن وابن المسيب وابن جبير وعكرمة ومجاهد وعطاء وطاووس ومالك في ظاهر الرواية، والشافعي في القديم، وروي عن ابن عباس وابن عمر، رضي الله تعالى عنهم. الثالث: خمس عشرة، وبه قال المدنيون عن مالك، فكملتها: ثانية الحج، وهو مذهب عمر وابنه عبد الله والليث وإسحاق وابن المنذر، ورواية عن أحمد، واختاره المروزي وابن شريح الشافعيان. الرابع: أربع عشرة، بإسقاط ص وهو أصح قولي الشافعي وأحمد. الخامس: أربع عشرة بإسقاط سجدة النجم، وهو قول أبي ثور. السادس: ثنتا عشرة، بإسقاط: ثانية الحج، وص، والانشقاق، وهو قول مسروق، رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عنه. السابع: ثلاث عشرة، بإسقاط ثانية الحج والانشقاق، وهو قول عطاء الخراساني. الثامن: أن عزائم السجود خمس: الأعراف، وبنو إسرائيل، والنجم، والانشقاق، واقرأ باسم ربك، وهو قول ابن مسعود رواه ابن أبي شيبة عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عنه. التاسع: عزائمه أربع: آلم تنزيل، وحم تنزيل، والنجم، واقرأ باسم ربك، وهو مروي عن علي، رضي الله تعالى عنه، رواه ابن أبي شيبة عن عفان عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن عبد الله بن عباس عنه. العاشر: ثلاث، قاله سعيد بن جبير، وهي: آلم تنزيل، وحم تنزيل، والنجم، واقرأ باسم ربك، رواه ابن أبي شيبة عن داود يعني ابن أبي إياس عن جعفر عنه. الحادي عشر: عزائم السجود: آلم تنزيل، والأعراف، وحم تنزيل، وبنو إسرائيل، وهو مذهب عبد بن عمير. الثاني عشر: عشر سجدات، قالته جماعة. قال ابن أبي شيبة: حدثنا أسامة حدثنا ثابت بن عمارة عن أبي تميمة الهجيمي أن أشياخا من الهجيم بعثوا رسولا لهم إلى المدينة وإلى مكة يسأل لهم عن سجود القرآن، فأخبرهم أنهم أجمعوا على عشر سجدات، وذهب ابن حزم إلى أنها تسجد للقبلة ولغير القبلة، وعلى طهارة وعلى غير طهارة، قال: وثانية الحج لا نقول بها أصلا في الصلاة، وتبطل الصلاة بها، يعني: إذا سجدت. قال لأنها لم تصح بها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجمع عليها، وإنما جاء فيها أثر مرسل. قلت: الظاهر أنه غفل وذهل، بل فيها حديث صحيح رواه الحاكم، (عن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن العظيم، منها ثلاثة في المفصل. الرابع: السجدة في آخر الأعراف: * (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون) * (الأعراف: 602). وفي الرعد عند: * (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»