عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ١٠١
في رفعه، فيكون موقوفا. وفي وصله فيكون مرسلا، وكلاهما ليس بحجة خصوصا فيما فيه قدح في حق الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، بل لو جزم الثقة برفعه ووصله حملناه على الغلط والوهم، وأما الإسناد الثاني: فإن محمد بن السائب الكلبي ضعيف بالاتفاق، منسوب إلى الكذب، وقد فسر الكلبي في روايته الغرانقة العلى: بالملائكة، لا بآلهة المشركين، كما يقولون: إن الملائكة بنات الله، وكذبوا على الله فرد الله ذلك عليهم بقوله: * (ألكم الذكر وله الأنثى) * (النجم: 12). فعلى هذا فلعله كان قرآنا ثم نسخ لتوهم المشركين بذلك مدح آلهتهم. وأما الإسناد الثالث: فإن محمد بن سعد هو العوفي، وهو ابن سعد بن محمد بن الحسن ابن عطية العوفي، تكلم فيه الخطيب، فقال: كان لينا في الحديث، وأبوه سعد بن محمد بن الحسن بن عطية، قال فيه أحمد: لم يكن ممن يستأهل أن يكتب عنه، ولا كان موضعا لذلك، وعم أبيه: هو الحسين بن الحسن بن عطية، ضعفه ابن معين والنسائي وابن حبان وغيرهم، والحسن بن عطية ضعفه البخاري وأبو حاتم، وهذه سلسلة ضعفاء، ولعل عطية العوفي سمعه من الكلبي فإنه كان يروي عنه ويكنيه بأبي سعيد لضعفه، ويوهم أنه: أبو سعيد الخدري. وقال عياض: هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة. ولا رواة ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون، والمؤرخون المولعون بكل قريب، المتلقنون من الصحف كل صحيح وسقيم. قلت: الأمر كذلك، فإن غالب هؤلاء مثل الطرقية والقصاص وليس عندهم تمييز، يخبطون خبط عشواء، ويمشون في ظلمة ظلماء، وكيف يقال مثل هذا والإجماع منعقد على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة؟ ولو وقعت هذه القصة لوجدت قريش على المسلمين بها الصولة، ولأقامت عليهم اليهود بها الحجة، كما علم من عادة المنافقين وعناد المشركين، كما وقع في قصة الإسراء حتى كانت في ذلك لبعض الضعفاء ردة.
1701 حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس.
(الحديث 1701 طرفه في: 2684).
مطابقته للترجمة ظاهرة، ورجاله قد تقدموا غير مرة، وعبد الوارث بن سعيد وأيوب السختياني. وأخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أبي معمر، وأخرجه الترمذي في الصلاة عن هارون بن عبد الله بن البزار عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه به، وقال: حسن صحيح.
قوله: (سجد بالنجم) زاد الطبراني في (الأوسط) من هذا الوجه: بمكة، ويستفاد من ذلك أن قصة ابن عباس وابن مسعود متحدة. قوله: (وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس) قال النووي: إنه محمول على من كان حاضرا. قلت: يعكر عليه أن الألف واللام في المسلمين والمشركين أبطلت الجمعية، صارت لاستغراق الجنس وكذلك الألف واللام في: الجن والأنس، للاستغراق، فيشمل الحاضر والغائب، حتى روى البزار: (عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبت عنده سورة النجم،. فلما بلغ السجدة سجد وسجدنا معه، وسجدت الدواة والقلم)، وإسناده صحيح. وروى الدارقطني من حديث أبي هريرة: (سجد النبي صلى الله عليه وسلم بآخر النجم والجن والإنس والشجر) فإن قلت: من أين علم الراوي أن الجن سجدوا؟ قلت: قال الكرماني: إما بإخبار النبي * صلى الله عليه وسلم له، وإما بإزالة الله تعالى الحجاب. قلت: قال شيخنا زين الدين: الظاهر أن الحديث من مراسيل ابن عباس عن الصحابة، فإنه لم يشهد تلك القصة، خصوصا إن كانت قبل فرض الصلاة، كما تقدم في حديث مخرمة، ومراسيل الصحابة مقبولة على الصحيح، والظاهر أن ابن عباس سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم يحدث به، وقال الكرماني: لفظ الإنس مكرر، بل لفظ الجن أيضا لأنه إجمال بعد تفصيل نحو: * (تلك عشرة كاملة) * (البقرة: 691). وقال أيضا: فإن قلت: لم سجد المشركون وهم لا يعتقدون القرآن (قلت) قيل لأنهم سمعوا أسماء أصنامهم حيث قال * (أفرأيتم اللات والعزى قال القاضي عياض كان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود، أنها أول سجدة نزلت قلت: استشكل هذا بأن: إقرأ باسم ربك، أول السور نزولا، وفيها أيضا سجدة، فهي سابقة على النجم. وأجيب: بأن السابق من إقرأ أولها، وأما بقيتها فنزلت بعد ذلك، بدليل قصة أبي جهل في نهيه للنبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، أو المراد: أول سورة استعلن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم، وهكذا رواه ابن مردويه في تفسيره.
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»