عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ٧٩
تقديره: أعوذ عائذا بالله، أي: أعوذ عياذا بالله، ويجوز أن يكون: عائذا، على بابه، ويكون منصوبا على الحال، وذو الحال محذوف تقديره: أعوذ حال كوني عائذا بالله. وروي: (عائذ بالله)، بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: أنا عائذ بالله. قوله: (من ذلك) أي: من عذاب القبر. قوله: (ذات غداة)، لفظة: (ذات)، زائدة. وقال الداودي: لفظة (ذات) بمعنى: في، أي: في غداة ورد عليه ابن التين: بأنه غير صحيح، بل تقديره: في ذات غداة. قلت: الصواب معه لأنه لم يقل أحد: إن ذات بمعنى: في، ويجوز أن يكون من باب إضافة المسمى إلى اسمه. قوله: (ضحى) بضم الضاد مقصور، فوق الضحوة وهي ارتفاع أول النهار. قوله: (بين ظهراني الحجر)، أي: في ظهري الحجر، الألف والنون زائدتان، ويقال: الكلمة كلها زائدة، والحجر، بضم الحاء المهملة وفتح الجيم: جمع حجرة والمراد بها بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يستنبط منه: أنه: يدل على أن عذاب القبر حق، وأهل السنة مجمعون على الإيمان به والتصديق، ولا ينكره إلا مبتدع. وإن من لا علم له بذلك لا يأثم، وأن من سمع بذلك وجب عليه أن يسأله أهل العلم ليعلم صحته. وفيه: ما يدل على أن حال عذاب القبر عظيم، فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت بالتعوذ منه. وفيه: أن وقت صلاة الكسوف وقت الضحى على ما صلى صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت بحسب حصول الكسوف فيه، والعلماء اختلفوا فيه، فقال ابن التين: أول وقته وقت جواز النافلة، وأما آخره فقال مالك: إنها إنما تصلى ضحوة النهار ولا تصلى بعد الزوال، فجعلها كالعيدين، وهي رواية ابن القاسم، وروى عنه ابن وهب: تصلى في وقت صلاة النافلة وإن زالت الشمس، وعنه: لا تصلى بعد العصر، ولكن يجتمع الناس فيه فيدعون ويتصدقون ويرغبون. وقال الكوفيون: لا يصلون في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها لورود النهي بذلك، وتصلى في سائر الأوقات، وهو قول ابن أبي مليكة وعطاء وجماعة. وقال الشافعي: تصلى في كل وقت، نصف النهار وبعد العصر والصبح، وهو قول أبي ثور وابن الجلاب المالكي: وقال أصحابنا الحنفية: وقتها المستحب كسائر الصلوات، ولا تصلى في الأوقات المكروهة، وبه قال الحسن وعطاء بن أبي رباح وعكرمة وعمرو بن شعيب وقتادة وأيوب وإسماعيل بن علية وأحمد، وقال إسحاق: يصلون بعد العصر ما لم تصفر الشمس، وبعد صلاة الصبح ولو كسفت في الغروب لم تصل أجماعا، ولو طلعت مكسوفة لم تصل حتى تحل النافلة، وبه قال مالك وأحمد وآخرون، وقال ابن المنذر: وبه أقول، خلافا للشافعي.
9401 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الراحمان عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن يهودية جاءت تسألها فقالت لها أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رضي الله تعالى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أيعذب الناس في قبورهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عائذا بالله من ذالك.
.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة مركبا فخسفت الشمس فرجع ضحى فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهراني الحجر ثم قام يصلي وقام الناس وراءه فقام قياما طويلا ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع مقام فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم رفع فسجد ثم قام فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم رفع فسجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم رفع فسجد وانصرف فقال ما شاء الله أن يقول ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر).
ورجاله قد ذكروا غير مرة.
وأخرجه البخاري أيضا عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك. وأخرجه مسلم فيه عن القعنبي وعن محمد بن المثنى وعن ابن أبي عمر. وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن علي وعن محمد بن سلمة.
ذكر معناه: قوله: (أن يهودية) أي: امرأة يهودية، وفي (مسند السراج) من حديث أشعث بن الشعشاء عن أبيه عن مسروق، قال: (دخلت يهودية على عائشة فقالت لها: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شيئا في عذاب القبر؟ فقالت عائشة: لا، وما عذاب القبر؟ قالت: فسليه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عائشة عن عذاب القبر، فقال صلى الله عليه وسلم: عذاب القبر حق. قالت عائشة: فما صلى بعد ذلك صلاة إلا سمعته يتعوذ من عذاب القبر). وفي حديث منصور عن أبي وائل (عن مسروق عنها، قالت: دخل على عجوزتان من عجائز اليهود، فقالت: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فكذبتهما ولم أصدقهما، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: دخل علي عجوزتان من عجز اليهود فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فقال: إنهم ليعذبون في قبورهم عذابا تسمعه البهائر). وفي هذا دليل على أن اليهودية كانت تعلم عذاب القبر، إما سمعت ذلك من التوراة أو في كتاب من كتبهم. قوله: (أيعذب الناس؟) الهمزة فيه للاستفهام (ويعذب)، على صيغة المجهول فيه دليل على أن عائشة لم تكن قبل ذلك علمت بعذاب القبر، لأنها كانت تعلم أن العذاب والثواب إنما يكونان بعد البعث. قوله: (عائذا بالله) على وزن: فاعل، مصدر لأن المصدر قد يجيء على هذا الوزن كما في قولهم: عافاه الله عافية، فعلى هذا انتصابه على المصدرية تقديره: أعوذ عائذا بالله، أي: أعوذ عياذا بالله، ويجوز أن يكون: عائذا، على بابه، ويكون منصوبا على الحال، وذو الحال محذوف تقديره: أعوذ حال كوني عائذا بالله. وروي: (عائذ بالله)، بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: أنا عائذ بالله. قوله: (من ذلك) أي: من عذاب القبر. قوله: (ذات غداة)، لفظة: (ذات)، زائدة. وقال الداودي: لفظة (ذات) بمعنى: في، أي: في غداة ورد عليه ابن التين: بأنه غير صحيح، بل تقديره: في ذات غداة. قلت: الصواب معه لأنه لم يقل أحد: إن ذات بمعنى: في، ويجوز أن يكون من باب إضافة المسمى إلى اسمه. قوله: (ضحى) بضم الضاد مقصور، فوق الضحوة وهي ارتفاع أول النهار. قوله: (بين ظهراني الحجر)، أي: في ظهري الحجر، الألف والنون زائدتان، ويقال: الكلمة كلها زائدة، والحجر، بضم الحاء المهملة وفتح الجيم: جمع حجرة والمراد بها بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يستنبط منه: أنه: يدل على أن عذاب القبر حق، وأهل السنة مجمعون على الإيمان به والتصديق، ولا ينكره إلا مبتدع. وإن من لا علم له بذلك لا يأثم، وأن من سمع بذلك وجب عليه أن يسأله أهل العلم ليعلم صحته. وفيه: ما يدل على أن حال عذاب القبر عظيم، فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت بالتعوذ منه. وفيه: أن وقت صلاة الكسوف وقت الضحى على ما صلى صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت بحسب حصول الكسوف فيه، والعلماء اختلفوا فيه، فقال ابن التين: أول وقته وقت جواز النافلة، وأما آخره فقال مالك: إنها إنما تصلى ضحوة النهار ولا تصلى بعد الزوال، فجعلها كالعيدين، وهي رواية ابن القاسم، وروى عنه ابن وهب: تصلى في وقت صلاة النافلة وإن زالت الشمس، وعنه: لا تصلى بعد العصر، ولكن يجتمع الناس فيه فيدعون ويتصدقون ويرغبون. وقال الكوفيون: لا يصلون في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها لورود النهي بذلك، وتصلى في سائر الأوقات، وهو قول ابن أبي مليكة وعطاء وجماعة. وقال الشافعي: تصلى في كل وقت، نصف النهار وبعد العصر والصبح، وهو قول أبي ثور وابن الجلاب المالكي: وقال أصحابنا الحنفية: وقتها المستحب كسائر الصلوات، ولا تصلى في الأوقات المكروهة، وبه قال الحسن وعطاء بن أبي رباح وعكرمة وعمرو بن شعيب وقتادة وأيوب وإسماعيل بن علية وأحمد، وقال إسحاق: يصلون بعد العصر ما لم تصفر الشمس، وبعد صلاة الصبح ولو كسفت في الغروب لم تصل أجماعا، ولو طلعت مكسوفة لم تصل حتى تحل النافلة، وبه قال مالك وأحمد وآخرون، وقال ابن المنذر: وبه أقول، خلافا للشافعي.
8 ((باب طول السجود في الكسوف)) أي: هذا باب في بيان طول السجود في صلاة الكسوف، وأشار بهذا إلى الرد على من أنكر طول السجود فيه، وهو قول بعض المالكية، فإنهم قالوا إن الذي شرع فيه التطويل شرع تكراره كالقيام والركوع، ولم تشرع الزيادة في السجود فلا يشرع التطويل فيه، وقد ذكرنا فيما مضى أن الرافعي قال: هل يطول السجود في هذه الصلاة؟ فيه قولان، ويقال: وجهان: أظهرهما: لا، والثاني: نعم، وبه قال ابن شريح، لأنه منقول في بعض الروايات: مع تطويل الركوع، أورده مسلم في (الصحيح). قلت: لم ينفرد به مسلم، بل حديث الباب يدل عليه أيضا ويرد بهذا على من يقول: إن التطويل في القيام والركوع لإمكان رؤية انجلاء الشمس، بخلاف السجود، وعلى من يقول: إن في تطويل السجود استرخاء المفاصل المفضي إلى النوم المفضي إلى خروج شيء.
1501 حدثنا أبو نعيم قال حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو أنه قال لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي إن الصلاة جامعة فركع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين في سجدة ثم قام فركع ركعتين في سجدة ثم جلس ثم جلي عن الشمس قال وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها ما سجدت سجودا قط كان أطول منها.
(أنظر الحديث 5401).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهي قول عائشة في آخر الحديث.
ذكر رجاله: وهم خمسة: الأول: أبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين. الثاني: شيبان بن عبد الرحمن التميمي، أصله من البصرة وسكن الكوفة. الثالث: يحيى بن أبي كثير اليمامي
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»