عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ١٤٣
لأن في الانفتال لا بد من لفتة بخلاف الانصراف، فإنه يكون بلفتة وبغيرها، والألف واللام في: اليمين والشمال، عوض عن المضاف إليه، أي: عن يمين المصلي وعن شماله.
وكان أنس ينفتل عن يمينه وعن يساره ويعيب على من يتوخى أو من يعمد الانفتال عن يمينه مطابقته للترجمة ظاهرة، وهو تعليق وصله مسدد في (مسنده الكبير) من طريق سعيد عن قتادة قال: (كان أنس، رضي الله تعالى عنه، فذكره). وقال فيه: (ويعيب على من يتوخى ذلك أن لا ينفتل إلا عن يمينه، ويقول: يدور كما يدور الحمار). ويدل عليه ما رواه ابن ماجة بسند صحيح: عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفتل عن يمينه وعن يساره في الصلاة). وكذلك ما رواه ابن حبان في (صحيحه) من حديث قبيصة بن هلب عن أبيه قال: (أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ينصرف عن جانبيه جميعا). وأخرجه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال: صح الأمران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولفظ أبي داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب، رجل من طي، عن أبيه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان ينصرف مع شقيه، يعني مع جانبي، يعني تارة عن يمينه وتارة عن شماله. ولفظ الترمذي: حدثنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فينصرف على جانبيه على يمينه وشماله) وقال: حديث حسن وعليه العمل عند أهل العلم أنه ينصرف على أي جانبيه شاء إن شاء عن يمينه وإن شاء عن يساره. ويروى عن علي، رضي الله تعالى عنه، أنه قال: إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن يمينه، وإن كانت حاجته عن يساره أخذ عن يساره. وهلب، بضم الهاء وسكون اللام، وقيل: الصواب فيه فتح الهاء وكسر اللام، وذكر بعضهم فيه: ضم الهاء وفتحها وكسرها، واسمه: يزيد بن عدي بن قنافة، ويقال: يزيد بن علي بن قنافة، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقرع، فمسح رأسه فنبت شعره فسمي: هلبا فإن قلت: روى مسلم عن أنس من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، قال: (سألت أنسا: كيف انصرف إذا صليت؟ أعن يميني أو عن يساري؟ قال: أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه). فهذا ظاهره يخالف أثر أنس المذكور. قلت: لا نسلم ذلك، لأنه لا يدل على منع الانصراف عن الشمال أيضا. غاية ما في الباب أنه يدل على أن أكثر انصرافه صلى الله عليه وسلم كان عن يمينه، وعيب أنس، رضي الله تعالى عنه، كان على من يتوخى ذلك، أي: يقصد ويتحرى ذلك، فكأنه يرى تحتمه ووجوبه. وأما إذا لم يتوخ ذلك فيستوي فيه الأمران، ولكن جهة اليمين تكون أولى. قوله: (يتوخى)، بتشديد الخاء المعجمة. قوله: (أو يعمد)، شك من الراوي.
852 حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن سليمان عن عمارة بن عمير عن الأسود قال قال عبد الله لا يجعلن أحدكم للشيطان شيئا من صلاته يرى أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ينصرف عن يساره (الحديث رقم (853) في صفحة 147).
مطابقته للترجمة من حيث أنه يدل على جواز الانصراف عقيب السلام من الصلاة من الجانبين، أما من جانب اليسار فصريح في ذلك، وأما من جانب اليمين فبقوله: (لا يجعلن أحدكم..) إلى آخره.
ذكر رجاله: وهم ستة: أبو الوليد هشام ابن عبد الملك، وشعبة بن الحجاج، وسليمان الأعمش، وعمارة، بضم العين وتخفيف الميم: ابن عمير، مصغر عمرو، والأسود بن يزيد النخعي، وعبد الله بن مسعود.
ذكر لطائف إسناده: وفيه: التحديث بصيغة الجمع في موضع. والإخبار كذلك في موضع. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: القول في ثلاثة مواضع. رضي الله تعالى عنه عن عمارة وفي رواية أبي داود الطيالسي، عن شعبة عن الأعمش سمعت عمارة بن عمير. وفيه: ثلاثة من التابعين وهم: سليمان وعمارة والأسود كلهم كوفيون، وشعبة واسطي، وأبو الوليد شيخ البخاري بصري.
ذكر من أخرجه غيره: أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن إسحاق بن إبراهيم وعن علي بن خشرم، وأخرجه أبو داود في الصلاة أيضا عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة. وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن علي. وأخرجه ابن ماجة فيه عن علي بن محمد عن وكيع وعن أبي بكر بن خلاد.
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»