عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ١٧٥
وقد قال الله تعالى في حق المنافقين * (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) * وقيل وجه ذلك هو كون المؤمنين يفوزون بما يترتب عليهما من الفضل لقيامهم بحقهما دون المنافقين قوله ' ما فيهما ' أي في الفجر والعشاء من الثواب والفضل قوله ' لأتوهما ' أي لأتوا الفجر والعشاء ولو كان إتيانهم حبوا لأتوهما حابين من حبا الصبي إذا زحف على استه وقد ذكرناه عن قريب وقال الكرماني لو يعلمون ما فيهما من الفضل والخير ثم لم يستطيعوا الإتيان إليهما إلا حبوا لحبوا إليهما ولم يفوتوا جماعتهما وقال بعضهم لأتوهما أي لأتوا إلى المحل الذي تصليان فيه جماعة وهو المسجد (قلت) هذا تفسير لا يطابق التركيب أصلا والصحيح الذي ذكرناه قوله ' يؤم الناس ' بالرفع في يؤم والنصب في الناس والجملة في محل النصب على أنها صفة لقوله ' رجلا ' وهو منصوب لأنه مفعول لقوله ' ثم آمر ' وهو منصوب لأنه عطف على آمر الأول المنصوب بأن قوله ' فيقيم ' أيضا منصوب عطفا على ما قبله قوله ' ثم آخذ ' بالنصب لأنه عطف على قوله ' ثم آمر ' قوله ' شعلا ' بضم الشين المعجمة وضم العين المهملة جمع شعيلة وهو الفتيلة فيها نار نحو صحيفة وصحف وبفتح العين جمع الشعلة من النار قوله ' فأحرق ' بالنصب عطفا على ' ثم آخذ ' قوله ' بعد ' نقيض قبل مبني على الضم فلما حذف منه المضاف إليه بني على الضم وسمي غاية لانتهاء الكلام إليها والمعنى بعد أن يسمع النداء إلى الصلاة ووقع في رواية الكشميهني لفظة يقدر بدل بعد ومعناه لا يخرج إلى الصلاة حال كونه يقدر وقد علم أن الجملة الفعلية المضارعية إذا وقعت حالا يجوز فيها ترك الواو ووقع عند الداودي لا لعذر عوض اللفظين المذكورين أي يقدر وبعد ويؤيده ما في حديث أبي داود الذي رواه عن أبي هريرة من حديث يزيد بن الأصم قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله ' لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزما من حطب ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم ' الحديث ولكن ما روى هذا غير الداودي وهذا الحديث يدل على أنه أطلق على المؤمنين الذين لا يحضرون الجماعة ويصلون في بيوتهم من غير عذر ولا علة تمنع عن الإتيان اسم المنافقين على سبيل المبالغة في التهديد فافهم * - 35 ((باب اثنان فما فوقهما جماعة)) أي: هذا باب مترجم بلفظ: اثنان فما فوقهما جماعة. وهو لفظ حديث ورد من طرق ضعيفة، منها ما رواه ابن ماجة في سننه من حديث الربيع بن بدر عن أبيه عن جده عن عمرو بن جراد عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اثنان فما فوقهما جماعة)، وقال ابن حزم في (كتاب الأحكام): هذا خبر ساقط. ومنها ما رواه البيهقي من حديث سعيد بن أبي زربي، وهو ضعيف، قال: حدثنا ثابت عن أنس... فذكره بمثله، ومنها ما رواه الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده... مثله، قال ابن حزم: لا يصح. ومنها ما روي في (الكامل) للجرجاني من حديث الحكم بن عمير مرفوعا مثله...، وفي سنده: عيسى بن طهمان، وهو منكر الحديث.
658 حدثنا مسدد قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا خالد عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث عن النبي قال إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما ثم ليؤمكما أكبركما..
توجيه مطابقته حديث االباب للترجمة مشكل، فقال بعضهم: ذلك مأخوذ بالاستنباط من لازم الأمر بالإمامة، لأنه لو استوت صلاتهما معا مع صلاتهما منفردين لاكتفى بأمرهما بالصلاة، كأن يقول: أذنا وأقيما وصليا قلت: هذا اللازم لا يستلزم كون الاثنين جماعة، على ما لا يخفى، فكيف يستنبط منه مطابقته للترجمة؟ ويمكن أن يذكر له وجه، وإن كان لا يخلو عن تكلف، وهو أنه صلى الله عليه وسلم إنما أمرهما بإمامة أحدهما الذي هو أكبرهما ليحصل لهما فضيلة الجماعة، فكأنهما لما صليا وأحدهما إمام صارا كأنهما صليا مع جماعة، إذ حصل لهما ما يحصل لمن يصلي بالجماعة، فصار الاثنان ههنا كأنهما جماعة بهذا الاعتبار
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»