عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ١٧٢
فإن قلت: بما انتصب حبوا؟ قلت: على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: لأتوهما ولو كان إتيانا حبوا. ويجوز أن يكون خبر: كان، المقدر والتقدير، ولو كان إتيانكم حبوا.
ذكر ما يستنبط منه: وهو على وجوه: الأول: فيه: فضيلة إماطة الأذى عن الطريق، وهي أدنى شعب الإيمان، فإذا كان الله عز وجل يشكر عبده ويغفر له على إزالة غصن شوك من الطريق، فلا يدري ما له من الفضل والثواب إذا فعل ما فوق ذلك. الثاني: فيه: بيان الشهداء، والشهيد عندنا من قتله المشركون أو وجد في المعركة وبه أثر لجراحه، أو قتله المسلمون ظلما ولم يجب بقتله دية، وعند [قعمالك [/ قع و [قعالشافعي [/ قع و [قعأحمد [/ قع: الشهيد هو الذي قتله العدو غازيا في المعركة، ثم الشهيد يكفن بلا خلاف ولا يغسل، وفي (المغني): إذا مات في المعترك: فإنه لا يغسل، رواية واحدة، وهو قول أكثر أهل العلم، ولا نعلم فيه خلافا إلا عن [قعالحسن [/ قع و [قعابن المسيب [/ قع فإنهما قالا: يغسل الشهيد ولا يعمل به، ويصلى عليه عندنا، وهو قول بن عباس وابن الزبير وعتبة ابن عامر وعكرمة وسعيد بن المسيب والحسن البصري ومكحول والثوري والأوزاعي والمزني وأحمد في رواية، واختارها الخلال، وقال مالك والشافعي وإسحاق: لا يصلى عليه، وهو قول أهل المدينة. وقال النووي في (شرح المهذب): الجزم بتحريم الصلاة عليه. وقال ابن حزم: إن شاؤوا صلوا عليه وإن شاؤوا تركوها. وقال الكرماني: فإن قلت: الشهيد حكمه أن لا يغسل ولا يصلى عليه، وهذا الحكم غير ثابت في الأربعة الأول بالاتفاق؟ قلت: معناه أنه يكون لهم في الآخرة مثل ثواب الشهداء، قالوا: الشهداء على ثلاثة أقسام: شهيد الدنيا والآخرة، وهو من مات في قتال الكفار بسببه. وشهيد الآخرة دون أحكام الدنيا، وهم هؤلاء المذكورون. وشهيد الدنيا دون الآخرة، وهو من قتل مدبرا أو غل في الغنيمة أو قاتل لغرض دنياوي لا لإعلاء كلمة الله تعالى. فإن قلت: فإطلاق الشهيد على الأربعة الأول مجاز، وعلى الخامس حقيقة، ولا يجوز إرادة الحقيقة والمجاز باستعمال واحد قلت: جوزه الشافعي، وأما غيره فمنهم من جوزه في لفظ الجمع، ومن منعه مطلقا حمل مثله على عموم المجاز، يعني: حمل على معنى مجازي أعم من ذلك المجاز والحقيقة قلت: العمل بعموم المجاز هو قول أصحابنا الحنفية. الثالث فيه: فضيلة السبق إلى الصف الأول والاستهام عليه. الرابع فيه: فضيلة التهجير إلى الظهر، وعليه ترجم البخاري، ولا منافاة بينه وبين حديث الإبراد لأنه عند اشتداد الحر والتهجير هو الأصل، وهو عزيمة وذاك رخصة. الخامس: فيه: فضيلة العشاء والصبح لأنهما ثقيلان على المنافقين.
33 ((باب احتساب الآثار)) أي: هذا باب في بيان احتساب الآثار، أي: في عد الخطوات إلى المسجد، والآثار جمع أثر، وأصله من أثر المشي في الأرض، والمراد بها ههنا: الخطوات، كما فسره مجاهد على ما يجيء.
48 - (حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا حميد عن أنس قال قال النبي يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم) مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا وحوشب بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وفي آخره باء موحدة. وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي البصري وحميد ابن أبي حميد الطويل.
(ومن لطائف إسناده) أن فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع والعنعنة في موضع وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أن رواته ما بين طائفي وبصري وفيه القول في أربعة مواضع قوله ' يا بني سلمة ' بفتح السين وكسر اللام وهم بطن كبير من الأنصار ثم من الخزرج وقال القزاز والجوهري وليس في العرب سلمة غيرهم (قلت) ليس الأمر كذلك فإن ابن ماكولا والرشاطي وابن حبيب ذكروا جماعات غيرهم قوله ' ألا تحتسبون ' كلمة ألا للتنبيه والتحضيض ومعناه ألا تعدون خطاكم عند مشيكم إلى المسجد إنما خاطبهم النبي بذلك حين أرادوا النقلة إلى قرب مسجد النبي وعند مسلم من حديث جابر رضي الله تعالى عنه ' خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فبلغ ذلك النبي فقال
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»