عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٩٣
فلما انصرف قال اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي.
مطابقته للترجمة ظاهرة.
(ذكر رجاله) وهم خمسة ذكروا غير مرة. وأحمد بن عبد ا بن يونس وينسب إلى جده، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، وعروة بن الزبير بن العوام.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: أن رواته كوفيون ومدنيون. وفيه: رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره. أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن موسى بن إسماعيل. وأخرجه أبو داود أيضا فيه عن موسى بن إسماعيل به. وأخرجه مسلم في الصلاة عن عمرو الناقد، وزهير بن حرب، وأبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة. وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن منصور عن سفيان. وأخرجه ابن ماجة في اللباس عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان به.
ذكر لغاته ومعانيه: قوله: (في خميصة)، بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم وبالصاد المهملة: وهي كساء أسود مربع له علمان أو أعلام، ويكون من خز أو صوف، ولا يسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، سميت بذلك للينها ورقتها وصغر حجمها إذا طويت، مأخوذ من الخمص وهو: ضمور البطن. وقال ابن حبيب في (شرح الموطأ): الخميصة كساء صوف أو مرعزي معلم الصنعة. قوله: (لها أعلام) جملة وقعت صفة لخميصة، والأعلام جمع: علم، بفتحتين، وقد فسرناه عن قريب. قوله: (فلما انصرف)، أي: من صلاته واستقبال القبلة. قوله: (إلى أبي جهم)، بفتح الجيم وسكون الهاء: واسمه عامر بن حذيفة العدوي القرشي المدني الصحابي. وقيل: اسمه عبيد، أسلم يوم الفتح وكان معظما في قريش وعالما بالنسب، شهد بنيان الكعبة مرتين، مات في آخر خلافة معاوية، وهو غير أبي جهيم، المصغر المذكور في المرور.
قوله: (بأنبجانية أبي جهم)، قد اختلفوا في ضبط هذا اللفظ ومعناه، فقيل: بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الباء الموحدة وتخفيف الجيم وبعد النون ياء النسبة. وقال ثعلب: يقال كبش إنبجاني، بكسر الياء وفتحها إذا كان ملتفا كثير الصوف، وكساء أنبجاني، كذلك وقال الجوهري: إذا نسبت إلى منبج فتحت الباء فقلت: كساء منبجاني، أخرجوه مخرج: مخبراني ومنظراني، وقال أبو حاتم في (لحن العامة): لا يقال: كساء أنبجاني، وهذا مما تخطىء فيه العامة، وإنما يقال: منبجاني، بفتح الميم والباء. قال: وقلت للأصمعي: لم فتحت الباء وإنما نسب إلى منبح بالكسر؟ قال: خرج مخرج: منظراني ومخبراني. قال: والنسب مما يغير البناء، وقال القزاز في (الجامع): والنباج موضع تنسب إليه الثياب المنبجانية. وفي (الجمهرة): ومنبج موضع أعجمي، وقد تكلمت به العرب ونسبوا إليه الثياب المنبجانية. وفي (المحكم) أن منبج موضع، قال سيبويه: الميم، فيه زائدة بمنزلة: الألف، لأنها إنما كثرت مزيدة أولا، فموضوع زيادتها كموضع الألف وكثرتها ككثرتها إذا كانت أولا في الاسم والصفة، وكذلك النباج، وهما نباجان: نباج نبتل ونباج بن عامر، و: كساء منبجاني، منسوب إليه على غير قياس. وفي (المغيث): المحفوظ كسر باء الأنبجانية، وقال ابن الحصار في (تقريب المدارك): من زعم أنه منسوب إلى منبج فقد وهم. قلت: منبج، بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء الموحدة وفي آخره جيم: بلدة من كور قنسرين بناها بعض الأكاسرة الذي غلب على الشام، وسماها: منبه، وبنى بها بيت نار ووكل بها رجلا، فعربت فقيل: منبج، والنسبة إليها: منبجي، على الأصل: ومنبجاني على غير قياس، والباء تفتح في النسبة كما يقال في النسبة إلى: صدف، بكسر الدال: صدفي بفتحها. ومن هذا قال ابن قرقول: نسبة إلى منبج، بفتح الميم وكسر الباء ويقال: نسبة إلى موضع يقال له: أنبجان، وعن هذا قال ثعلب: يقال كساء أنبجاني، وهذا هو الأقرب إلى الصواب في لفظ الحديث، وأما تفسيرها، فقال عبد الملك بن حبيب في (شرح الموطأ): هي كساء غليظ تشبه الشملة يكون سداه قطنا غليظا أو كتانا غليظا، ولحمته صوف ليس بالمبرم، في فتله لين، غليظ يلتحف به في الفراش، وقد يشتمل بها في شدة البرد. وقيل: هي من أدوان الثياب الغليظة تتخذ من الصوف، ويقال: هو كساء غليظ لا علم له، فإذا كان للكساء علم فهو خميصة، وإن لم يكن فهو أنبجانية.
قوله: (ألهتني) أي: أشغلتني، وهو من: الإلهاء، وثلاثية: لهي الرجل عن الشيء يلهى عنه إذا غفل، وهو من باب: يعلم، وأما: لها يلهو إذا لعب فهو من باب:
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»