عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٣٤
فيه سواء.
وجه المناسبة بين هذا الباب والذي قبله والذي بعده ظاهر، لأن هذه الأبواب كلها في حكم التيمم.
ويذكر أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة فتيمم وتلا * (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) * (النساء: 92) فذكر للنبي فلم يعنفه.
عمرو بن العاص القريشي السهمي أبو عبد ا، قدم على النبي في سنة ثمان قبل الفتح مسلما، وهو من زهاد قريش، ولاه النبي على عمان ولم يزل عليها حتى قبض النبي، روي له سبعة وثلاثون حديثا، للبخاري ثلاثة، مات بمصر عاملا عليها سنة ثلاث وأربعين على المشهور يوم الفطر، صلى عليه ابنه عبد ا، ثم صلى العيد بالناس. قوله: (ويذكر)، تعليق بصيغة التمريض، ووصله أبو داود وقال: حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي، قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص، قال: (احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي، فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت ا تعالى يقول: * (ولا تقتلوا أنفسكم إن ا كان بكم رحيما) * (النساء: 92) فضحك نبي ا عليه الصلاة والسلام، ولم يقل شيئا). ورواه الحاكم أيضا. قوله: (في غزوة ذات السلاسل)، وهي وراء وادي القرى، بينها وبين المدينة عشرة أيام. وقيل: سميت بها لأنها بأرض جذام يقال له السلسل، وكانت في جمادي الأولى سنة ثمان من الهجرة. قوله: (فأشفقت) أي: خفت. قوله: (فلم يعنفه) أي: لم يعنفه النبي، يعني لم ينكر عليه، كذا لم يعنفه بالضمير في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: (فلم يعنف)، بدون الضمير حذف للعلم به، وعدم تعنيفه إياه دليل الجواز والتقرير، وبه علم عدم إعادة الصلاة التي صلاها بالتيمم في هذه الحالة، وهو حجة على من يأمره بالإعادة، ودل أيضا على جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك، سواء كان للبرد أو لغيره، وسواء كان في السفر أو في الحضر، وسواء كان جنبا أو محدثا. وفيه دلالة على جواز الاجتهاد في عصره.
54311 ح دثنا بشر بن خالد قال حدثنا محمد هو غندر عن شعبة عن سليمان عن أبي وائل قال قال أبو موسى لعبد الله بن مسعود إذا لم يجد الماء لا يصلي. قال عبد الله لو رخصت لهم في هذا كان إذا وجد أحدهم البرد قال هكذا يعني تيمم وصلى قال قلت فأين قول عمار لعمر قال إني لم أر عمر قنع بقول عمار.
مطابقة الحديث للترجمة في قوله: (يعني تيمم وصلى).
ذكر رجاله وهم سبعة. الأول: بشر بن خالد العسكري، أبو محمد الفرائضي، مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين. الثاني: محمد بن جعفر البصري الملقب بغندر، بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال على الأشهر. الثالث: شعبة بن الحجاج. الرابع: سليمان المشهور بالأعمش. الخامس: أبو وائل شقيق بن سلمة. السادس: أبو موسى الأشعري؛ عبد ا بن قيس. السابع: عبد ا بن مسعود، والكل تقدموا.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصفة الجمع مرتين. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: القول. وقوله: هو غندر، ليس في رواية الأصيلي. قوله: (عن شعبة)، وفي رواية الأصيلي: (حدثنا شعبة). وفيه: أن قوله؛ هو غندر، من عند البخاري وليس هو من لفظ شيخه، وفيه: إن الأعمش ذكر باسمه وشهرته بلقبه، وقلت: رواية يذكر فيها كذا سليمان مجردا. وفيه: محاورة صحابيين جليلين.
ذكر معناه: قوله: (إذا لم يجد الماء) هذا على سبيل الاستفهام، والسؤال من أبي موسى الأشعري عن عبد ا بن مسعود يعني: إذا لم يجد الجنب الماء لا يصلي. وقوله: (لم يجد)، بصيغة الغائب، وكذلك: (لا يصلي) بصيغة الغائب، وهي رواية كريمة. وفي رواية غيرها بصيغة الخطاب في الموضعين، فأبو موسى يخاطب عبد ا، وكذا في رواية الإسماعيلي ما يدل على هذا، ولفظه: (فقال عبد ا: نعم إذا لم أجد الماء شهرا لا أصلي). قوله: (لو رخصت)، أي: قال عبد ا لأبي موسى: لو رخصت لهم في هذا، أي: في جواز التيمم للجنب إذا وجد أحدهم البرد، وفي رواية الحموي: (إذا وجد أحدكم البرد). قوله: (قال هكذا)، فيه
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»