عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٣٠٣
بن سليم: (حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده فقام أخذها فردها في مكانها).
ذكر ما يستفاد منه: تكلم الناس في حكم هذا الحديث، فقال النووي: هذا يدل لمذهب الشافعي ومن وافقه أنه يجوز حمل الصبي والصبية وغيرهما من الحيوان في صلاة النفل، ويجوز للإمام والمنفرد والمأموم قلت: أما مذهب أبي حنيفة في هذا ما ذكر صاحب (البدائع) وفي بيان العمل الكثير الذي يفسد الصلاة والقليل الذي لا يفسدها: فالكثير ما يحتاج فيه إلى استعمال اليدين، والقليل ما لا يحتاج فيه إلى ذلك، وذكر لهما صورا حتى قال: إذا أخذ قوسا ورمى فسدت صلاته، وكذا لو حملت امرأة صبيها فأرضعته، لوجود العمل الكثير الذي يفسد الصلاة، وأما حمل الصبي بدون الإرضاع فلا يوجب الفساد، ثم روى الحديث المذكور، ثم قال: وهذا الصنيع لم يكره منه لأنه كان محتاجا إلى ذلك لعدم من يحفظها، أو لبيان الشرع بالفعل، وهذا غير موجب فساد الصلاة. ومثل هذا أيضا في زماننا لا يكره لواحد منا لو فعل ذلك عند الحاجة، أما بدون الحاجة فمكروه. انتهى. وذكر أشهب عن مالك أن ذلك كان من رسول الله في صلاة النافلة، وأن مثل هذا الفعل غير جائز في الفريضة. وقال أبو عمر: حسبك بتفسير مالك، ومن الدليل على صحة ما قاله في ذلك أني لا أعلم خلافا أن مثل هذا العمل في الصلاة مكروه. وقال النووي: هذا التأويل فاسد، لأن قوله: (يؤم الناس) صريح أو كالصريح في أنه كان في الفريضة، قلت: هو ما رواه سفيان بن عيينة بسنده إلى أبي قتادة الأنصاري، قال: (رأيت النبي يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص، وهي بنت زينب ابنة رسول الله على عاتقه). ولأن الغالب في إمامة رسول الله كانت في الفرائض دون النوافل وفي رواية أبي داود عن أبي قتادة صاحب رسول ا، قال: (بينما نحن ننتظر رسول ا، للصلاة في الظهر أو العصر وقد دعا بلال للصلاة، إذ خرج إلينا وأمامة بنت أبي العاص، بنت ابنته، على عنقه، فقام رسول ا، في مصلاه وقمنا خلفه) الحديث.
وفي كتاب (النسب) للزبير بن بكار: عن عمرو بن سليم أن ذلك كان في صلاة الصبح. وقال النووي: وادعى بعض المالكية أنه منسوخ. وقال الشيخ تقي الدين: هو مروي عن مالك أيضا. وقال أبو عمر: ولعل هذا نسخ بتحريم العمل والاشتغال بالصلاة وقد رد هذا بأن قوله: (إن في الصلاة لشغلا)، كان قبل بدر عند قدوم عبد ا بن مسعود من الحبشة، وأن قدوم زينب وبنتها إلى المدينة كان ذلك، ولو لم يكن الأمر كذلك لكان فيه إثبات النسخ بمجرد الاجتهاد، وروى أشهب وابن نافع عن مالك: أن هذا كان للضرورة، وادعى بعض المالكية أنه خاص بالنبي، ذكره القاضي عياض. وقال النووي: وكل هذه الدعاوى باطلة ومردودة، فإنه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها، بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك، وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع، لأن الآدمي طاهر وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدنه، وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة، ودلائل الشرع متظاهرة على أن هذه الأفعال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت، وفعل النبي، هذا بيانا للجواز وتنبيها عليه .
قلت: وقد قال بعض أهل العلم: إن فاعلا لو فعل مثل ذلك لم أر عليه إعادة من أجل هذا الحديث، وإن كنت لا أحب لأحد فعله، وقد كان أحمد بن حنبل يجيز هذا. قال الأثرم: سئل أحمد: يأخذ الرجل ولده وهو يصلي؟ قال: نعم. واحتج بحديث أبي قتادة. قال الخطابي: يشبه أن يكون هذا الصنيع من رسول الله لا عن قصد وتعمد له في الصلاة. ولعل الصبية لطول ما ألفته واعتادته من ملابسته في غير الصلاة كانت تتعلق به حتى تلابسه وهو في الصلاة فلا يدفعها عن نفسه ولا يبعدها، فإذا أراد أن يسجد وهي على عاتقه، وضعها بأن يحطها أو يرسلها إلى الأرض حتى يفرغ من سجوده، فإذا أراد القيام. وقد عادت الصبية إلى مثل الحالة الأولى، لم يدافعها ولم يمنعها، حتى إذا قام بقيت محمولة معه. هذا عندي وجه الحديث. ولا يكاد يتوهم عليه أنه كان يتعمد لحملها ووضعها وإمساكها في الصلاة تارة بعد أخرى، لأن العمل في ذلك قد يكثر فيتكرر، والمصلي يشتغل بذلك عن صلاته، وإذا كان علم الخميصة يشغله عن صلاته حتى يستبدل بها الأنبجانية، فكيف لا يشتغل عنها بما هذا صفته من الأمور؟ وفي ذلك بيان ما تأولناه. وقال النووي، بعد أن نقل ملخص كلام الخطابي: هذا الذي ذكره باطل ودعوى مجردة، ومما يرد عليه قوله في (صحيح مسلم): (فإذا قام حملها).
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 » »»