عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ١٨١
عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول ا، صلى ا تعالى عليه وسلم، يقول: (توضأوا من لحوم الإبل). الحديث. وفيه: (ولا تصلوا في معاطن الإبل). وذكر الطبراني في (الأوسط) حديث أسيد بن حضير. قال: قال رسول ا، صلى ا تعالى عليه وسلم: (توضأوا من لحوم الإبل ولا تصلوا في مناخها). وأخرج أيضا في (الكبير) حديث سليك الغطفاني عن النبي يعلى في (مسنده) حديث طلحة بن عبيد الله، قال: (كان رسول الله يتوضأ من ألبان الإبل ولحومها ولا يصلي في أعطانها). وذكر أحمد في (مسنده) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي: (كان يصلي في مرابض الغنم ولا يصلي في مرابد الإبل والبقر) وأخرجه الطبراني في (الكبير) أيضا ولفظه: (لا تصلوا في أعطان الإبل وصلوا في مراح الغنم). وذكر الطبراني أيضا، من حديث عقبة بن عامر في (الكبير) و (الأوسط) عن النبي قال: (صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل أو في مبارك الإبل). وذكر أحمد والطبراني أيضا حديث يعيش الجهني المعروف بذي الغرة من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه، قال: (عرض أعرابي لرسول ا). الحديث، وفيه: (تدركنا الصلاة ونحن في أعطان الإبل فنصلي فيها؟ فقال رسول ا: لا). وأخرجه أحمد أيضا..
فهذا كما رأيت وقع في موضع: مبارك الإبل، وفي موضع: أعطان الإبل، وفي موضع: مناخ الإبل، وفي موضع: مرابد الإبل. ووقع عند الطحاوي في حديث جابر بن سمرة: (أن رجلا قال: يا رسول ا أصلي في مباءة الغنم؟ قال: نعم، قال: أصلي في مباءة الإبل؟ قال: لا، والمباءة المنزل الذي تأوي إليه الإبل). والأعطان جمع عطن وقد فسرناه، والمبارك جمع مبرك وهو موضع بروك الجمل في أي موضع كان، والمناخ، بضم الميم وفي آخره خاء معجمة: المكان الذي تناخ فيه الإبل، والمرابد هي، بالدال المهملة: الأماكن التي تحبس فيها الإبل وغيرها من البقر والغنم. وقال ابن حزم: كل عطن فهو مبرك، وليس كل مبرك عطنا، لأن العطن هو الموضع الذي تناخ فيه عند ورودها الماء فقط، والمبرك أعم، لأنه الموضع المتخذ له في كل حال، فإذا كان كذلك تكره الصلاة في مبارك الإبل ومواضعها، سواء كانت عطنا أو مناخا أو مباءة أو مرابد أو غير ذلك. فدل هذا كله أن علة النهي فيه كونها خلقت من الشياطين ولا سيما فإنه علل ذلك بقوله: (فإنها خلقت من الشياطين)، وقد مر في رواية أبي داود: (فإنها من الشياطين)، وفي راوية ابن ماجة: (فإنها خلقت من الشياطين)، فهذا يدل على أن الإبل خلقت من الجن، لأن الشياطين من الجن على الصحيح من الأقوال، وعن هذا قال يحيى بن آدم: جاء النهي من قبل أن الإبل يخاف وثوبها فتعطب من تلاقي حينئذ ألا ترى أنه يقول: إنها جن، ومن جن خلقت، واستصوب هذا أيضا القاضي عياض.
وذكروا أيضا أن علة النهي فيه من ثلاثة أوجه أخرى:
أحدها: من شريك بن عبد الله أنه كان يقول: نهي عن الصلاة في أعطان الإبل لأن أصحابها من عادتهم التغوط بقرب إبلهم والبول، فينجسون بذلك أعطان الإبل، فنهى عن الصلاة فيها لذلك، لا لعلة الإبل، وإنما هو لعلة النجاسة التي تمنع من الصلاة في أي موضع ما كانت، بخلاف مرابض الغنم، فإن أصحابها من عادتهم تنظيف مواضعهم وتترك البول فيها والتغوط، فأبيحت الصلاة في مرابضها لذلك، وهذا بعيد جدا مخالف لظاهر الحديث.
والوجه الثاني: أن علة النهي هي كون أبوالها وأرواثها في معاطنها، وهذا أيضا بعيد أيضا لأن مرابض الغنم تشركها في ذلك.
والوجه الثالث: ذكره يحيى بن آدم. أن العلة في اجتناب الصلاة في معاطن الإبل: الخوف من قبلها، كما ذكرناه الآن، بخلاف الغنم، لأنه لا يخاف منها ما يخاف من الإبل. وقال الطحاوي: إن كانت العلة هي ما قال شريك فإن الصلاة مكروهة حيث يكون الغائط والبول سواء كان عطنا أو غيره، وإن كان ما قاله يحيى، فإن الصلاة مكروهة حيث يخاف على النفوس، سواء كان عطنا أو غيره، وغمز بعضهم في الطحاوي بقوله: قال إن النظر يقتضي عدم التفرقة بين الإبل والغنم في الصلاة وغيرها، كما هو مذهب أصحابه، وتعقب بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة المصرحة بالتفرقة، فهو قياس فاسد الاعتبار.
قلت: هذا الكلام فاسد الاعتبار لأن الطحاوي ما قال قط: إن النظر يقتضي عدم التفرقة، وإنما قال: حكم هذا الباب من طريق النظر أنا رأيناهم لا يختلفون في مرابض الغنم أن الصلاة فيها جائزة، وإنما اختلفوا في أعطان الإبل، فقد رأينا حكم لحمان الإبل كحكم لحمان الغنم في طهارتها، ورأينا حكم أبوالها كحكم أبوالها في طهارتها أو نجاستها، فكان يجيء في النظر أيضا أن يكون حكم الصلاة في مواضع الإبل
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»