عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ١٨٠
ضرب يضرب، يقال: ربض في الأرض إذا لصق بها، وأقام ملازما لها، واسم المكان: مربض، وهو مأوى الغنم، وربوض الغنم مثل بروك الإبل. وفي (الصحاح): ربوض الغنم والبقر والفرس والكلب مثل بروك الإبل، وجثوم الطير. وضبط بعضهم المربض، بكسر الميم: وهو غلط.
وجه المناسبة بين البابين من حيث إن المذكور في هذا الباب بعينه طرف من الحديث في الباب السابق لكن المذكور هناك أنه كان يحب الصلاة حيث أدركته إذا دخل وقتها، سواء كان في مرابض الغنم أو غيرها، والمذكور ههنا: كان يصلي في مرابض الغنم قبل أن يبني المسجد.
924 حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن أبي التياح عن أنس قال كان النبي يصلي في مرابض الغنم ثم سمعته يقول كان يصلي في مرابض الغنم قبل أن يبنى المسجد..
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.
ورجاله قد ذكروا غير مرة، وأبو التياح مضى ذكره في الباب السابق. وفيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين والعنعنة في موضعين. وفيه: القول، وقد مر الكلام فيه مستوفى في باب أبوال الإبل في كل الوجوه.
قوله: (ثم سمعته بعد يقول)، قال بعضهم: هو شعبة، يعني: يقول ثم سمعت أبا التياح يقول، بقيد بعد أن قال مطلقا، قلت: لم لا يجوز أن يكون القائل هو أبا التياح سمع من أنس أولا بإطلاق، ثم سمع بقيد يعني: أبو التياح يقول ثم سمعت أنسا بعد ذلك القول يقول: كان يصلي إلى آخره، أشار بذلك إلى أن قوله أولا مطلق وقوله ثانيا مقيد، فالحكم أنهما إذا وردا سواء يحمل المطلق على المقيد عملا بالدليلين، والمراد بالمسجد مسجد رسول ا، صلى ا تعالى عليه وآله وسلم.
05 ((باب الصلاة في مواضع الإبل)) أي: هذا باب في بيان الصلاة في موضع الإبل، وفي بعض النسخ: في مواضع الإبل، بالجمع ثم إن البخاري إن إراد من مواضع الإبل معاطنها فالصلاة فيها مكروهة عند قوم، خلافا لآخرين، وإن أراد بها أعم من ذلك فالصلاة فيها غير مكروهة بلا خلاف، وعلى كل تقدير لم يذكر في الباب حديثا يدل على أحد الفصلين، وإنما ذكر فيه الصلاة إلى البعير وهو لا يطابق الترجمة، وعن هذا قال الإسماعيلي: ليس في هذا الحديث بيان أنه صلى في موضع الإبل، وإنما صلى إلى البعير لا في موضعه، وليس إذا أنيخ البعير في موضع صار ذلك عطنا أو مأوى للإبل. انتهى. قلت: لأن العطن اسم لمبرك الإبل عند الماء ليشرب عللا بعد نهل، فإذا استوفت ردت إلى المراعي، وأجاب بعضهم عن كلام الإسماعيلي بقوله: إن مراده الإشارة إلى ما ذكر من علة النهي عن ذلك وهي كونها من الشياطين، كأنه يقول: لو كان ذلك مانعا من صحة الصلاة لامتنع مثله في جعلها أمام المصلي، وكذلك صلاة راكبها، وقد ثبت أنه، صلى ا تعالى عليه وسلم، كان يصلي النافلة وهو على بعيره.
قلت: سبحان ا ما أبعد هذا الجواب عن موقع الخطاب، فإنه متى ذكر علة النهي عن الصلاة في معاطن الإبل حتى يشير إليه، ولم يذكر شيئا في كتابه من أحاديث النهي في ذلك، وإنما ذكره غيره، فمسلم ذكر حديث جابر بن سمرة من رواية جعفر بن أبي ثور عنه: (أن رجلا سأل رسول ا: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فلا تتوضأ. قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: فتوضأ من لحوم الإبل. قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم، قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا.) وأبو داود ذكر حديث البراء من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى. وفيه: (سئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل، فإنها من الشياطين). والترمذي ذكر حديث أبي هريرة من حديث ابن سيرين عنه، قال: قال رسول ا،: (صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل). وابن ماجة ذكر حديث سبرة بن معبد من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة ابن معبد الجهني أخبرني عن أبيه أن رسول الله قال: (لا تصلي في أعطان الإبل وتصلي في مراح الغنم). وذكر ابن ماجة أيضا حديث عبد الله بن مغفل من رواية الحسن عنه قال: قال رسول ا: (صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلف من الشياطين). وذكر أيضا حديث ابن عمر من حديث محارب بن دثار، يقول: سمعت
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»