عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ١٦٢
مصارف الزكاة والزكاة حرام على العباس بل كان هذا المال إما فيئا أو غنيمة (قلت) لم يكن هذا المال فيئا وإنما كان خراجا ولو وقف الكرماني على ما ذكرناه عن ابن أبي شيبة فيما مضى عن قريب لما قال هذا الذي قاله وكذلك ابن بطال وهم فيما قاله حيث جعل المال من الزكاة وتبعه صاحب التلويح حيث قال وفيه دلالة لأبي حنيفة ومن قال بقوله أنه يجوز الاقتصار على بعض الأصناف المذكورين في الآية الكرمية لأنه أعطى العباس لما شكى الغرم بغير وزن ولم يسوه في القسم مع الأصناف الثمانية ولم ينقل أنه أعطى أحدا مثله (قلت) هذا أيضا كلام صادر من غير تأمل لأنه ليس للأصناف الثمانية دخل في هذا ولا المال كان من مال الزكاة * ومنها أن السلطان إذا علم حاجة لأحد إلى المال لا يحل له أن يدخر منه شيئا. ومنها أن فيه كرم النبي وزهده في الدنيا وأنه لم يمنع شيئا سئله إذا كان عنده. ومنها أن للسلطان أن يرتفع عما يدعى إليه من المهنة والعمل بيده وله أن يمتنع من تكليف ذلك غيره إذا لم يكن للسلطان في ذلك حاجة. ومنها أن فيه وضع ما الناس مشتركون فيه من صدقة وغيرها في المسجد لأن المسجد لا يحجب من أحد من ذوي الحاجة من دخوله والناس فيه سواء وقال ابن القاسم وسئل مالك عن الافتاء في المسجد وما يشبه ذلك فقال لا بأس بها وسئل عن الماء الذي يسقى في المسجد أترى أنه يشرب منه قال نعم إنما جعل للعطش ولم يرد به أهل المسكنة فلا أرى أنه يترك شربه ولم يزل هذا من أمر الناس 34 ((باب من دعا لطعام في المسجد ومن أجاب منه)) أي: هذا باب في بيان حكم من دعى إلى آخره، وقوله: (في المسجد) يتعلق بقوله: (دعا)، لا بقوله: (لطعام). فإن قلت: صلة: دعا، بكلمة: إلى، نحو: * (وا يدعوا إلى دار السلام) * (يونس: 52) وبالباء في نحو: (دعا هرقل بكتاب رسول ا صلى ا تعالى عليه وسلم)، و: اللام، للاختصاص، فما وجه هذا؟ قلت: تختلف صلات الفعل بحسب اختلاف المعاني، فإذا قصد بيان الانتهاء جيء بكلمة: إلى، وإذا قصد معنى الطلب جيء: بالباء، وإذا قصد معنى الاختصاص جيء: باللام، وههنا قصد معنى الاختصاص. قوله: (ومن أجاب منه) في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: (ومن أجاب إليه). فإن قلت: ما الفرق بين الروايتين؟ قلت: كلمة: من، في رواية: منه للابتداء، والضمير يعود على: المسجد، وفي رواية: إلى، يعود الضمير إلى الطعام. فإن قلت: ما قصد البخاري من هذا التبويب؟ قلت: الإشارة إلى أن هذا من الأمور المباحة، وليس من اللغو والذي يمنع في المساجد.
فإن قلت: ما وجه المناسب بين هذا الباب والذي قبله؟ قلت: من قوله: باب حك البزاق باليد من المسجد، إلى قوله: باب سترة الإمام، خمسة وخمسون بابا كلها فيما يتعلق بأحكام المساجد، فلا يحتاج إلى ذكر وجه المناسبة بينها على الخصوص.
224 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله سمع أنسا قال وجدت النبي في المسجد معه ناس فقمت فقال لي أرسلك أبو طلحة قلت نعم فقال لطعام قلت نعم فقال لمن معه قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم. (الحديث 224 أطرافه في: 8753، 1835، 0545، 8866).
مطابقة هذا الحديث للترجمة كلها ظاهرة، أما الشق الأول: فلأنا قد ذكرنا أن: في المسجد، يتعلق بقوله: دعا، لا بقوله: لطعام، فحصل الدعاء إلى الطعام في المسجد. وأما الشق الثاني: فهو إجابة النبي بقوله لمن حوله: قوموا، فبهذا التقرير يندفع اعتراض من يقول: إن المطابقة للترجمة في الشق الثاني فقط فافهم.
ورجال الحديث قد تكرر ذكرهم، إسحاق بن عبد الله، ابن أخي أنس من جهة الأم. وأخرجه البخاري أيضا عن إسماعيل بن أبي أويس وفرقهما. وأخرجه أيضا في علامات النبوة مطولا، وفي الأطعمة والإيمان والنذور. وأخرجه مسلم في الصلاة عن يحيى بن يحيى، وفي الأطعمة. وأبو داود فيه عن القعنبي، والترمذي فيه عن إسحاق بن موسى عن معن بن عيسى، وفي المناقب والنسائي فيه عن قتيبة كلهم عن مالك به، وأخرجه في الوليمة أيضا.
ذكر معناه: قوله: (وجدت) أي: أصبت، ولهذا اكتفى بمفعول واحد. قوله: (في المسجد)، حال من النبي
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»