عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ١٤٥
ولكن قد يؤتى لها بجواب منصوب كجواب ليت وقال بعضهم هي لو الشرطية أشربت معنى التمني وقال ابن مالك هي لو المصدرية أغنت عن فعل التمني قوله ' وآية الحجاب ' هي قوله تعالى * (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) * وآية الحجاب كلام إضافي يجوز فيه الرفع والنصب والجر أما الرفع فيحتمل وجهين أحدهما بالابتداء محذوف الخبر تقديره وآية الحجاب كذلك والآخر أن يكون معطوفا على مقدر تقديره هو اتخاذ المصلى وآية الحجاب وأما النصب فعلى الاختصاص وأما الجر فعلى أنه معطوف على مجرور وهو بدل من ثلاث والتقدير في ثلاث اتخاذ المصلى وآية الحجاب قوله ' البر ' بفتح الباء الموحدة صفة مشبهة من بررت أبر من باب علم يعلم فأنا بر وبار ويجمع البر على أبرار والبار على البررة والبر مقابل الفاجر من الفجور قال الجوهري فجر فجورا أي فسق وفجر أي كذب وأصله الميل والفاجر المائل قوله ' في الغيرة ' بفتح الغين المعجمة وهي الحمية والأنفة يقال رجل غيور وامرأة غيور بلا هاء لأن فعولا يشترك فيه الذكر والأنثى يقال غرت على أهلي أغار غيرة فأنا غائر وغيور للمبالغة (ذكر استنباط الأحكام) وهي على ثلاثة أنواع كما صرح بها في الحديث. الأول سؤال عمر رضي الله تعالى عنه عن رسول الله أن يتخذ من مقام إبراهيم مصلى وقال الخطابي سأل عمر رضي الله تعالى عنه أن يجعل ذلك الحجر الذي فيه أثر مقامه مصلى بين يدي القبلة يقوم الإمام عنده فنزلت الآية وقال ابن الجوزي فإن قيل ما السر في أن عمر رضي الله تعالى عنه لم يقنع بما في شرعنا حتى طلب الاستنان بملة إبراهيم عليه السلام وقد نهاه عن مثل هذا حين أتى بأشياء من التوراة فالجواب أن عمر لما سمع قوله تعالى في إبراهيم * (إني جاعلك للناس إماما) * ثم سمع * (أن اتبع ملة إبراهيم) * على أن الائتمام به مشروع في شرعنا دون غيره ثم رأى أن البيت مضاف إليه وأن أثر قدمه في المقام كرقم اسم الباني في البناء ليذكر به بعد موته فرأى الصلاة عند المقام كقراءة الطائف بالبيت اسم من بناه انتهى ولم تزل آثار قدمي إبراهيم عليه السلام ظاهرة فيه معروفة عند العرب في جاهليتها ولهذا قال أبو طالب في قصيدته اللامية المعروفة * وموطىء إبراهيم في الصخر رطبة * على قدميه حافيا غير ناعل * وقد أدرك المسلمون ذلك فيه أيضا كما قال عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثهم قال رأيت المقام فيه أصابعه أخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم وقال ابن جرير حدثنا بشر بن معاذ حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) * إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه ولقد تكلفت هذه الأمة شيئا ما تكلفته الأمم قبلها ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيها فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى. الثاني الحجاب فكان جاريا فيه على عادة العرب ولم يكن يخفى عليه أن حجبهن خير من غيره لكنه كان ينتظر الوحي بدليل أنه لم يوافق عمر حين أشار بذلك قاله القرطبي وكان الحجاب في السنة الخامسة في قول قتادة وقيل في السنة الثالثة قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى وعند ابن سعد في ذي القعدة سنة أربع وكان السبب في ذلك أنه لما تزوج زينب بنت جحش أولم عليها فأكل جماعة وهي مولية بوجهها إلى الحائط ولم يخرجوا فخرج رسول الله ولم يخرجوا وعاد ولم يخرجوا فنزلت آية الحجاب وقال عياض أما الحجاب الذي خص به زوجات النبي فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين فلا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا لغيرها ولا إظهار شخصهن إذا خرجن كما فعلت حفصة يوم مات أبوها ستر شخصها حين خرجت وبنيت عليها قبة لما توفيت قال تعالى * (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب) *. الثالث اجتماع نساء النبي في الغيرة عليه وهو ما ذكره البخاري في تفسير سورة البقرة حدثنا مسدد عن يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس قال ' قال عمر رضي الله تعالى عنه وافقت ربي في ثلاث أو وافقني ربي في ثلاث فقلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى وقلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب قال وبلغني معاتبة النبي بعض نسائه فدخلت عليهن قلت إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيرا منكن حتى أتيت إحدى
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»