عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٢٤٣
فالمعنى: أيجوز الرقود لا حدنا؟ قوله: (وهو جنب) جملة حالية. قوله: (إذا توضأ) ظرف محص. لقوله: (فليرقد) والمعنى: إذا أراد أحدكم الرقاد قليرقد بعد التوضأ وقال الكرماني: ويجوز أن يكون ظرفا متضمنا للشرط ثم قال: الشرط سبب، فما المسبب الرقود أم الأمر بالرقود ثم أجاب بأنه يحتمل الأمرين مجازا لا حقيقة كأن التوضي مسبب لجواز الرقود أو لأمر الشارع به. ثم قال: فإن قلت: الرقود ليس واجبا ولا مندوبا، فما معنى الأمر؟ قلت: الإباحة بقرينة الإجماع على عدم الوجوب والندب. انتهى.
قلت: هذا كلام مدمج وفيه تفصيل وخلاف، فنقول: وبالله التوفيق، ذهب الثوري والحسن بن حي وابن المسيب وأبو يوسف إلى أنه لا بأس للجنب أن ينام من غير أن يتوضأ، واحتجوا في ذلك بما رواه الترمذي، حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم، ينام وهو جنب ولا يمس ماء) ورواه ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كانت له إلى أهله حاجة قضاها ثم ينام كهيئة لا يمس ماء) وأخرجه أحمد كذلك، وأخرجه الطحاوي من سبعة طرق. منها: ما رواه عن ابن أبي داود عن مسدد قال: حدثنا أبو الأحوص، قال: حدثنا أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة. قالت: [حم (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا رجع من المسجد صلى ما شاء الله ثم مال إلى فراشه وإلى أهله فإن كانت له حاجة قضاها ثم نام كهيئته ولا يمس طيبا) [/ حم وأرادت بالطيب الماء، كما وقع في الرواية الأخرى، ولا يمس ماء، وذلك أن الماء يطلق عليه الطيب كما ورد في الحديث فإن الماء طيب لأنه يطيب ويطهر، وأي طيب أقوى فعلا في التطهير من الماء؟ وذهب الأوزاعي والليث وأبو حنيفة ومحمد والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وابن المبارك وآخرون إلى أنه ينبغي للجنب أن يتوضأ للصلاة قبل أن ينام، ولكنهم اختلفوا في صفة هذا الوضوء وحكمه فقال أحمد: يستحب للجنب إذا أراد أن ينام أو يطأ ثانيا أو يأكل أن يغسل فرجه ويتوضأ روى ذلك عن علي وعبد الله بن عمر، وقال سعيد بن المسيب: إذا أراد أن يأكل يغسل كفيه ويتمضمض وحكى نحوه عن أحمد وإسحاق، وقال مجاهد: يغسل كفيه. وقال مالك: يغسل يديه إن كان أصابهما أذى.
وقال [قعأبو عمر [/ قع في (التمهيد) وقد اختلف العلماء في إيجاب الوضوء عند النوم على الجنب، فذهب أكثر الفقهاء إلى أن ذلك على الندب والاستحباب لا على الوجوب. وذهبت طائفة إلى أن الوضوء المأمور به الجنب هو غسل الأذى منه وغسل ذكره ويديه، وهو التنظيف، وذلك عند العرب يسمى، وضوأ. قالوا: وقد كان ابن عمر لا يتوضأ عند النوم الوضوء الكامل، وهو روى الحديث وعلم مخرجه، وقال [قعمالك [/ قع: لا ينام الجنب حتى يتوضأ وضوءه للصلاة، قال: وله أن يعاود أهله ويأكل قبل أن يتوضأ؛ إلا أن يكون في يديه قذر فيغسلهما، قال: والحائض تنام قبل أن تتوضأ. وقال الشافعي، في هذا كله نحو قول مالك، وقال [قعأبو حنيفة والثوري [/ قع: لا بأس أن ينام الجنب على غير وضوء، وأحب إلينا أن يتوضأ، قالوا: فإذا أراد أن يأكل تمضمض وغسل يديه، وهو قول الحسن ابن حي. وقال الأزاعي: الحائض والجنب أراد أن يطعما غسلا أيديهما. وقال [قعالليث بن سعد [/ قع: لا ينام الجنب حتى يتوضأ رجلا كان أو امرأة. انتهى.
وقال [قعالقاضي عياض [/ قع: ظاهر مذهب مالك أنه ليس بواجب، وإنما هو مرغب فيه، وابن حبيب يرى وجوبه، وهو مذهب داود، وقال [قعابن حزم [/ قع في (المحلى) ويستحب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل أو النوم ولرد السلام ولذكر الله، وليس ذلك بواجب. قلت: قد خالف ابن حزم داود في هذا الحكم وقال [قعابن العربي [/ قع: قال مالك والشافعي لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ. وقال بعضهم: أنكر بعض المتأخرين هذا النقل، وقال: لم يقل الشافعي بوجوبه، ولا يعرف ذلك أصحابه، وهو كما قال، لكن كلام ابن العربي محمول على أنه أراد نفي الإباحة المستوية الطرفين، لا إثبات الوجوب، أو أراد بأنه واجب وجوب سنة أي: متأكد الاستحباب، ويدل عليه أنه قابله بقول ابن حبيب: هو واجب وجوب الفرائض. انتهى. قلت: إنكار المتأخرين هذا الذي نقل عن الشافعي إنكار مجرد فلا يقاوم الإثبات، وعدم معرفة أصحابه ذلك لا يستلزم عدم قول الشافعي بذلك، وأبعد من هذا قول هذا القائل، وهو كما قال: فكيف يقول بهذا وقد بينا فساده، وأبعد من هذا كله حمل هذا القائل كلام ابن العربي على ما ذكره، يعرف ذلك من يدقق نظره فيه.
ثم اعلم أن الطحاوي أجاب عن حديث عائشة المذكور، فقال: وقالوا هذا الحديث غلط لأنه حديث مختصر، اختصره
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»