عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٨٩
الكف فيه لصغره، وقد علم من ذلك أن المخضب يكون من حجارة وغيره، ويكون صغيرا وكبيرا. قوله: (ان يبسط) اي: لأن يبسط، وكلمة: أن، مصدرية أي: لبسط الكف فيه. قوله: (فتوضأ القوم) أي: القوم الذين بقوا عند النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك المخضب الصغير. قوله: (فقلنا) وفي بعض النسخ وفي بعضها: قلت. وهو من كلام حميد الطويل الراوي عن أنس، رضي الله تعالى عنه. قوله: (كم كنتم)؟ مميز: كم، محذوف تقديره: كم نفسا كنتم؟ وكذلك مميز ثمانين منصوب لأنه خبر للكون المقدر تقديره: كنا ثمانين نفسا وزيادة على الثمانين.
بيان استنباط الأحكام: الأول: فيه دلالة على معجزة كبيرة للنبي صلى الله عليه وسلم. الثاني: فيه التهيء للوضوء عند حضور الصلاة. الثالث: فيه أن الأواني كلها، سواء كانت من الخشب أو من جواهر الأرض طاهرة، فلا كراهة في استعمالها، وذكر أبو عبيد في (كتاب الطهور) عن ابن سيرين: كانت الخلفاء يتوضأون في الطشت، وعن الحسن رأيت عثمان يصب عليه من إبريق يعنى نحاسا. قال أبو عبيد: وعلى هذا أمر الناس في الرخصة والتوسعة في الوضوء في آنية النحاس وأشباهه من الجواهر إلا ما روي عن ابن عمر من الكراهة. قلت: ذكر ابن أبي شيبة عن يحيى بن سليم عن ابن جريج قال: قال معاوية: كرهت أن أتوضأ في النحاس، وفي كتاب (الأشراف): رخص كثير من أهل العلم في ذلك، وبه قال الثوري وابن المبارك والشافعي وأبو ثور، وما علمت أني رأيت أحدا كره الوضوء في آنية الصفر والنحاس والرصاص وشبهه، والأشياء على الإباحة وليس يحرم ما هو موقوف على ابن عمر. وقال ابن بطال: وقد وجدت عن ابن عمر أنه توضأ فيه، وهذه الرواية أشبه للصواب، وكان الشافعي وإسحاق وأبو ثور يكرهون الوضوء في آنية الذهب والفضة، وبه نقول. ولو توضأ له متوضىء أجزأه وقد أساء، وعن أبي حنيفة، رضي الله عنه، كان يكره الأكل والشرب في آنية الفضة، وكان لا يرى بأسا بالمفضض، وكان لا يرى بالوضوء منه بأسا. قلت: أبو حنيفة كان يكره الأكل في آنية الذهب أيضا، والمراد من الكراهة: كراهة التحريم، وفي (سنن) أبي داود، بسند ضعيف عن عائشة رضي الله تعالى عنها: (كنت أغتسل أنا ورسول الله، عليه الصلاة والسلام، في تور من شبه). وفي (مسند) أحمد بسند صحيح عن زينب بنت جحش: (أن النبي، عليه الصلاة والسلام، كان يتوضأ من مخضب من صفر). الصفر، بضم الصاد: هو النحاس الجيد. قال أبو عبيدة: كسر الصاد فيه لغة ولم يجزه غيره، ويقال له: الشبه، أيضا بفتحتين لأنه يشبه الذهب.
196 حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه.
(انظر الحديث: 188 وطرفه).
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.
بيان رجاله وهم خمسة: الأول: محمد بن العلاء، بالمهملة وبالمد. الثاني: أبو أسامة حماد ابن اسامة. الثالث: بريد، بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف: بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى، واسم أبي الحارث، ويقال: عامر، ويقال: اسمه كنيته، وأبو موسى اسمه عبد الله بن قيس الأشعري، وهذا الإسناد بعينه تقدم في باب فضل من علم وعلم. ولا تفاوت بينهما إلا في لفظ حماد، فإنه ذكر هنا بالكنية. وثمة بالاسم.
بيان لطائف اسناده منها: أن فيه التحديث بصيغة الجمع والعنعنة. ومنها: أن رواته كلهم كوفيون. ومنها: أن فيه ثلاثة مكيون.
بيان المعنى والإعراب قوله: (مج فيه) أي: صب فيه، ومنه: مج لعابه إذا قذفه. قوله: (فيه ماء)، جملة اسمية في موضع الجر لأنها صفة لقدح. قوله: (فغسل يديه): الفاء، للعطف على: دعا بالمهملة، ومعنى دعا طلب. قوله: (ووجهه) بالنصب عطف على قوله: (يديه). وقوله: (ومج) عطف على (غسل).
بيان استنباط الأحكام الأول: قال الكرماني، هذا الحديث يدل على الغسل في القدح، بفتح الغين، لا على الغسل، بضم الغين، ولا على الوضوء. الثاني: قال الداودي: فيه جواز الوضوء بماء قد مج فيهه. الثالث: فيه دلالة على جواز الشرب منه، وكذا الإفراغ منه على الوجوه والنحور، لأن تمام الحديث أخرجه البخاري معلقا عن أبي موسى في باب استعمال فضل وضوء الناس، وقد ذكرنا بقية الكلام هناك.
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»