دخول الوقت فقدم ترجمة الأصل على ما ندر عنه وأشار ابن بطال إلى الاعتراض على الترجمة بأنه لا خلاف فيه بين الأئمة وإنما الخلاف في جوازه قبل الفجر والذي يظهر لي أن مراد المصنف بالترجمتين أن يبين أن المعنى الذي كان يؤذن لأجله قبل الفجر غير المعنى الذي كان يؤذن لأجله بعد الفجر وأن الأذان قبل الفجر لا يكتفى به عن الأذان بعده وأن أذان ابن أم مكتوم لم يكن يقع قبل الفجر والله أعلم (قوله كان إذا أعتكف المؤذن للصبح) هكذا وقع عند جمهور رواة البخاري وفيه نظر وقد استشكله كثير من العلماء ووجهه بعضهم كما سيأتي والحديث في الموطأ عند جميع رواته بلفظ كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وكذا رواه مسلم وغيره وهو الصواب وقد أصلح في رواية ابن شبويه عن الفربري كذلك وفي رواية الهمداني كان إذا أذن بدل أعتكف وهي أشبه بالرواية المصوبة ووقع في رواية النسفي عن البخاري بلفظ كان إذا أعتكف وأذن المؤذن وهو يقتضى أن صنيعه ذلك كان مختصا بحال اعتكافه وليس كذلك والظاهر أنه من إصلاحه وقد أطلق جماعة من الحفاظ القول بأن الوهم فيه من عبد الله بن يوسف شيخ البخاري ووجه ابن بطال وغيره بأن معنى أعتكف المؤذن أي اللزم ارتقابه ونظره إلى أن يطلع الفجر ليؤذن عند أول ادراكه قالوا وأصل العكوف لزوم الإقامة بمكان واحد وتعقب بأنه يلزم منه أنه كان لا يصليهما إلا إذا وقع ذلك من المؤذن لما يقتضيه مفهوم الشرط وليس كذلك لمواظبته عليهما مطلقا والحق أن لفظ أعتكف محرف من لفظ سكت وقد أخرجه المؤلف في باب الركعتين بعد الظهر من طريق أيوب عن نافع بلفظ كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر (قوله وبدا الصبح) بغير همز أي ظهر وأغرب الكرماني فصحح أنه بالنون المكسورة والهمزة بعد المد وكأنه ظن أنه معطوف على قوله للصبح فيكون التقدير واعتكف لنداء الصبح وليس كذلك فإن الحديث في جميع النسخ من الموطأ والبخاري ومسلم وغيرها بالباء الموحدة المفتوحة وبعد الدال ألف مقصورة والواو فيه واو الحال لا واو العطف وبذلك تتم مطابقة الحديث للترجمة وسيأتي بقية الكلام عليه في أبواب التطوع إن شاء الله تعالى (قوله عن يحيى) هو ابن أبي كثير (قوله بين النداء والإقامة) قال الزين بن المنير حديث عائشة أبعد في الاستدلال به للترجمة من حديث حفصة لأن قولها بين النداء والإقامة لا يستلزم كون الأذان بعد الفجر ثم أجاب عن ذلك بما محصله أنها عنت بالركعتين ركعتي الفجر وهما لا يصليان إلا بعد الفجر فإذا صلاهما بعد الأذان استلزم أن يكون الأذان وقع بعد الفجر انتهى وهو مع ما فيه من التكليف غير سالم من الانتقاد والذي عندي أن المصنف جرى على عادته في الإيماء إلى بعض ما ورد في طرق الحديث الذي يستدل به وبيان ذلك فيما أورده بعد بابين من وجه آخر عن عائشة ولفظه كان إذا سكت المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الصبح بعد أن يستبين الفجر (قوله عن عبد الله بن دينار) هذا إسناد آخر لمالك في هذا الحديث قال ابن عبد البر لم يختلف عليه فيه واعترض بن التيمي فقال هذا الحديث لا يدل على الترجمة لجعله غاية الأكل ابتداء أذان بن أم مكتوم فدل على أن أذانه كان يقع قبل الفجر بقليل وجوابه ما تقدم تقريره في الباب الذي قبله وقال الزين بن المنير الاستدلال بحديث ابن عمر أوجه من غيره فإن قوله حتى ينادي بن أم مكتوم يقتضى أنه ينادي حين يطلع الفجر لأنه لو كان ينادي
(٨٤)