فقال عمر (قلت) وسياق حديث عبد الله بن زيد يخالف ذلك فإن فيه أنه لما قص رؤياه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ألقها على بلال فليؤذن بها قال فسمع عمر الصوت فخرج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لقد رأيت مثل الذي رأى فدل على أن عمر لم يكن حاضرا لما قص عبد الله ابن زيد رؤياه والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي الولاء كانت عقب المشاورة فيما يفعلونه وأن رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك والله أعلم وقد أخرج أبو داود بسند صحيح إلى أبي عمير بن أنس عن عمومته من الأنصار قالوا اهتم النبي صلى الله عليه وسلم الولاء كيف يجمع الناس لها فقال انصب راية عند حضور وقت الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا فلم يعجبه الحديث وفيه ذكروا القنع بضم القاف وسكون النون يعني البوق وذكروا الناقوس فانصرف عبد الله ابن زيد وهو مهتم فأرى الأذان فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وكان عمر رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما ثم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما منعك أن تخبرنا قال سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال قم فأنظر ما يأمرك به عبد الله ابن زيد فافعله ترجم له أبو داود بدء الأذان وقال أبو عمر بن عبد البر روى قصة عبد الله بن زيد جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة وهي من وجوه حسان وهذا أحسنها (قلت) وهذا لا يخالفه ما تقدم أن عبد الله بن زيد لما قص منامه فسمع عمر الأذان فجاء فقال قد رأيت لأنه يحمل على أنه لم يخبر بذلك عقب إخبار عبد الله بل متراخيا عنه لقوله ما منعك أن تخبرنا أي عقب إخبار عبد الله فاعتذر بالاستحياء فدل على أنه لم يخبر بذلك على الفور وليس في حديث أبي عمير التصريح بأن عمر كان حاضرا عند قص عبد الله رؤياه بخلاف ما وقع في روايته التي ذكرتها فسمع عمر الصوت فخرج فقال فإنه صريح في أنه لم يكن حاضرا عند قص عبد الله والله أعلم (قوله فناد بالصلاة) في رواية الإسماعيلي فأذن بالصلاة قال عياض المراد الإعلام المحض بحضور وقتها لا خصوص الأذان المشروع وأغرب القاضي أبو بكر بن العربي فحمل قوله أذن على الأذان المشروع وطعن في صحة حديث بن عمر وقال عجبا لأبي عيسى كيف صححه والمعروف أن شرع الأذان إنما كان برؤيا عبد الله بن زيد انتهى ولا تدفع الأحاديث الصحيحة بمثل هذا مع إمكان الجمع كما قدمناه وقد قال بن منده في حديث بن عمر إنه مجمع على صحته (قوله يا بلال قم) قال عياض وغيره فيه حجة لشرع الأذان قائما قلت وكذا احتج بن خزيمة وابن المنذر وتعقبه النووي بأن المراد بقوله قم أي أذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس قال وليس فيه تعرض القيام في حال الأذان انتهى وما نفاه ليس ببعيد من ظاهر اللفظ فإن الصيغة محتملة للأمرين وإن كان ما قاله أرجح ونقل عياض أن مذهب العلماء كافة أن الأذان قاعدا لا يجوز إلا أبا ثور ووافقه أبو الفرج المالكي وتعقب بأن الخلاف معروف عند الشافعية وبأن المشهور عند الحنفية كلهم أن القيام سنة وأنه لو أذن قاعدا صح والصواب ما قال ابن المنذر أنهم اتفقوا على أن القيام من السنة فائدة كان اللفظ الذي ينادي به بلال الصلاة قوله الصلاة جامعة أخرجه ابن سعد في الطبقات من مراسيل سعيد بن المسيب وظن بعضهم أن بلالا حينئذ إنما أمر بالأذان المعهود فذكر مناسبة اختصاص بلال بذاك دون غيره لكونه كان لما عذب ليرجع عن الإسلام فيقول أحد أحد فجوزي بولاية الأذان المشتملة على التوحيد في ابتدائه وانتهائه وهي مناسبة حسنة في اختصاص بلال بالأذان إلا أن هذا الموضع ليس هو محلها وفي حديث ابن عمر دليل على مشروح علية طلب الأحكام من المعاني المستنبطة دون
(٦٦)