فإن المعنى إذا أردتم المناجاة بلا خلاف ويقوى رواية الليث حديث أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فهو صريح في تأخير الرواح عن الغسل وعرف بهذا فساد قول من حمله على ظاهره واحتج به على أن الغسل لليوم لا الصلاة لأن الحديث واحد ومخرجه واحد وقد تبين الليث في روايته المراد وقواه حديث أبي هريرة ورواية نافع عن بن عمر لهذا الحديث مشهور جدا فقد اعتنى بتخريج طرقه أبو عوانة في صحيحه فساقه من طريق سبعين نفسا رووه عن نافع وقد تتبعت ما فاته وجمعت ما وقع لي من طرقه في جزء مفرد لغرض اقتضى ذلك فبلغت أسماء من رواه عن نافع مائة وعشرين نفسا فما يستفاد منه هنا ذكر سبب الحديث ففي رواية إسماعيل بن أمية عن نافع عند أبي عوانة وقاسم بن أصبغ كان الناس يغدون في أعمالهم فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم ثياب متغيرة فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من جاء منكم الجمعة فليغتسل ومنها ذكر محل القول ففي رواية الحكم بن عتيبة عن نافع عن بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعواد هذا المنبر بالمدينة يقول أخرجه يعقوب الجصاص في فوائد من رواية اليسع بن قيس عن الحكم وطريق الحكم عند النسائي وغيره من رواية شعبة عنه بدون هذا السياق بلفظ حديث الباب إلا قوله جاء فعنده راح وكذا رواه النسائي من رواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب ومنصور ومالك ثلاثتهم عن نافع ومنها ما يدل على تكرار ذلك ففي رواية صخر بن جويرية عن نافع عند أبي مسلم الكجي بلفظ كان إذا خطب يوم الجمعة قال الحديث ومنها زيادة في المتن ففي رواية عثمان بن حكى عن نافع عند أبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان في صحاحهم بلفظ من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل ومن لم يأتها فليس عليه غسل ورجاله ثقات لكن قال البزار أخشى أن يكون عثمان بن حكى وهم فيه ومنها زيادة في المتن والإسناد أيضا أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من طرق عن مفضل بن فضاله عن عياش بن عباس القتباني عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن نافع عن بن عمر عن حفصة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة واجبة على كل محتلم وعلى من راح إلى الجمعة الغسل قال الطبراني في الأوسط لم يروه عن نافع بزيادة حفصة الا بكير ولا عنه الا عياش تفرد به مفضل قلت رواته ثقات فإن كان محفوظا فهو حديث آخر ولا مانع أن يسمعه بن عمر من النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيره من الصحابة فيأتي في ثاني أحاديث الباب من رواية بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما مع اختلاف المتون قال بن دقيق العيد في الحديث دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجئ إلى الجمعة واستدل به لمالك في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلا بالذهاب ووافقه الأوزاعي والليث والجمهور قالوا يجزئ من بعد الفجر ويشهد لهم حديث بن عباس الآتي قريبا وقال الأثرم سمعت أحمد سئل عمن اغتسل ثم حالا هل يكفيه الوضوء فقال نعم ولم أسمع فيه أعلى من حديث بن أبزي يشير إلى ما أخرجه به أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه وله صحبة أنه كان يغتسل يوم الجمعة ثم يحدث فيتوضأ ولا يعيد الغسل ومقتضى النظر أن يقال إذا عر ف أن الحكمة في الأمر بالغسل يوم الجمعة والتنظيف رعاية الحاضرين من التأذي بالرائحة الكريهة فمن خشي أن يصيبه في أثناء النهار
(٢٩٦)