وأما الثاني: فإن قولك: إنه إنما منع منه على مقتضى اجتهاده قول ضعيف جدا، أما أولا: فلأن الاجتهاد غير سائغ في هذه المسألة.
وأما ثانيا: فلأن الاجتهاد لا يجوز مع وجود صاحب الشريعة، فإن فرض الجميع في زمانه مع الحضور عنده التقليد لقوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه) (1).
وأما ثالثا: فلأن الاجتهاد لا يعارض النص كما تقرر في الأصول، وهذا الكلام من النبي - صلى الله عليه وآله - نص يقتضي وجوب اتباع أمره في الإتيان بالكتاب، فكيف يصح أن يخالف نصه وأمره ويعارض بالاجتهاد، فإن النص يفيد القطع، والاجتهاد لا يفيد إلا الظن، والظن لا يعارض اليقين، فكيف يسوغ لعمر أن يترك اليقين القطعي المتلقى ممن لا ينطق عن الهوى بوحي الله تعالى ويرده ويهمله ويمنع منه، ويعمل باجتهاده إن ذلك لضلال وقلة احترام للشرع، وهتك للتكاليف، ومع ذلك لم يقتصر على المنع والرد حتى تكلم بالشتم وتوصل إلى المنع من أقبح الجهات بلفظ منكر صريح المنكر بظاهره وباطنه ومع ذلك تقول إن ذلك اجتهاد، أي اجتهاد يسوغ في هذا الموضع؟ وأي قول يسمع في رد كتاب النبي - صلى الله عليه وآله - يحصل بذلك صلاح الأمة، وعدم وقوع الاختلاف بينهم؟
وأما قولك: إنه رأى ترك هذا الكتاب أصلح للدين، فقول مخالف للمعقول والمنقول لأن ما أمر به النبي - صلى الله عليه وآله - إما أن يكون فيه فساد أو صلاح، ولا سبيل إلى الأول لأحد لاستلزامه الكفر، وإذا كان