أنصار الحسين (ع) - محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٢٣٣
لقد خضع قطع الرؤوس لعملية انتقاء، فقطعت رؤوس الشخصيات البارزة التي تحظى بولاء شعبي في نطاق قبائلها أو مدنها، والتي يحطم قتلها قاعدتها الشعبية ويشتت جمهورها، ويفقده فاعليته.
إن هاني بن عروة ومسلم بن عقيل هما أقوى شخصيتين في التحرك الذي حدث في الكوفة، فلذا قطع ابن زياد رأسيهما وأرسلهما إلى يزيد ابن معاوية برهانا ماديا على قمع الثورة، أما الباقون، وهم رجال عاديون، فإن رؤوسهم لا تعني شيئا، لان قتلهم مع وجود القادة، لا يؤثر على الثورة، ولذا فلم يكن ابن زياد بحاجة إلى قطع أكثر من رأسين.
وكذلك الحال في رؤوس شهداء كربلاء، فإن الموالي والرجال العاديين لم تكن رؤوسهم تعني شيئا بالنسبة إلى المناقمين على الحكم الأموي. إن الذي يشل القدرة الثورية ويسبب الهزيمة النفسية لدى الجماهير هو أن ترى زعماءها وقادتها قد قتلوا، ورفع الدليل المادي على قتلهم، وهو رؤوسهم، على أطراف الرماح.
من هنا نفهم لماذا طيف برأس الحسين في أزقة الكوفة: (... ثم أن عبيد الله بن زياد نصب رأس الحسين بالكوفة، فجعل يدار به في الكوفة) (1).
ونحن نرجح - وإن لم نملك نصا - أن القبائل التي توزعت الرؤوس لم تتوزعها بصورة عشوائية، وإنما أخذت كل قبيلة رؤوس، الرجال البارزين من أبنائها، وذلك لتعزيز مركزها السياسي عند السلطة، وليزداد مركز زعيمها الموالي للسلطة قوة ومناعة.

(1) الطبري: 5 / 459.
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة