الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٥٠
أوقية (1) - ونضدت له ثلاثمأة وستين كرسيا في داره، وأسدلت على كل كرسي حلة بألف دينار، كما سمعته عن الشيخ محمد زين العابدين البكري، وأنت تعلم ما يستتبع هذا التجمل من لوازم وآثار، وأثاث ورياش، ومناضد وأواني وفرش، لا تقصر عنها في القيمة، وما يلزم من خدم وحشم، وقصور شاهقة، وغرف مشيدة، وما يلازم هذه البسطة في المال من خيل وركاب وأغنام ومواشي وضيعة وعقار، إلى غيرها من توابع الجاه والمال.
أنا لا أدري أي باحة كانت تقل ذلك كله؟ ولم يفز بمثلها يومئذ أحد من ملوك الدنيا، وهل كانت الكراسي المذكورة منضدة في غرفة واحدة؟ فما أكبرها من غرفة؟
تضاهي ميادين القتال، ومفازات البراري، وما أكبر الدار التي هي إحدى غرفها؟ و أي يوم كان يوم قبول أبي بكر؟ تزدلف إليه فيه الرجال فتجلس على تلكم الكراسي ، ولم لا نسمع من السير والتواريخ عن ذلك اليوم ركزا؟ أكان في أفواه الجالسين عليها أوكية عن نقل شئ من حديثه؟ وطبع الحال يقضي أن يكون في ذلك المحتشد العظيم المتكرر في كل أسبوع، وعلى الأقل في كل شهر. وأقل منه في كل سنة، ولا أقل من انعقاده في العمر مرة، من الأنباء ما لا يلهو التاريخ عن ذكره، ولا يستسهل المؤرخ تركه، لكنك بالرغم من ذلك كله لا تجد عنه إلا همسا يتخافت به العبيدي بعد لأي من عمر الدهر.
ومن أي حرفة أو مهنة أو صنعة أو ضياع حصل على الرجل مليون أوقية من النقود؟
وكان يومئذ يوم فاقة لقريش، وكانوا كما وصفتهم الصديقة الطاهرة في خطبتها مخاطبة أبا بكر والقوم معه: كنتم تشربون الطرق (2) وتقتالون الورق، أذلة خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله برسوله (3).
ولعل في ذلك اليوم كان ما رواه الماوردي في أعلام النبوة ص 146 من طريق مالك بن أنس إنه بلغه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فوجد أبا بكر وعمر رضي الله

(١) الأوقية: أربعون درهما.
(٢) الطرق بفتح المهملة: الماء المجتمع الذي خيض فيه وبيل وبعر فكدر. لسان العرب.
(٣) بلاغات النساء ص ١٣، أعلام النساء 3: 1208.
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»