الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٣٠٧
الدؤلي قال: كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه إلى الربذة فجئته فقلت له: ألا تخبرني أخرجت منا المدينة طائعا؟ أم أخرجت كرها؟ فقال كنت في ثغر من ثغور المسلمين أغني عنهم فأخرجت إلى المدينة فقلت: دار هجرتي وأصحابي، فأخرجت من المدينة إلى ما ترى، ثم قال: بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله إذ مر بي عليه السلام فضربني برجله وقال: لا أراك نائما في المسجد. فقلت: بابي أنت وأمي غلبتني عيني فنمت فيه. قال: فكيف تصنع إذا أخرجوك منه؟ قلت: إذا الحق بالشام فإنها أرض مقدسة وأرض الجهاد. قال: فكيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: أرجع.
إلى المسجد. قال: فكيف تصنع إذا أخرجوك منه؟ قلت: آخذ سيفي فأضربهم به فقال: ألا أدلك على خير من ذلك؟ انسق معهم حيث ساقوك وتسمع وتطيع. فسمعت وأطعت و أنا أسمع وأطيع، والله ليلقين الله عثمان وهو آثم في جنبي.
ثم ذكر ابن أبي الحديد الخلاف في أمر أبي ذر وحكى عن أبي علي حديث البخاري الذي أسلفناه ص 295 فقال: ونحن نقول: هذه الأخبار وإن كانت قد رويت لكنها ليست في الاشتهار والكثرة كتلك الأخبار، والوجه أن يقال في الاعتذار عن عثمان و حسن الظن بفعله: إنه خاف الفتنة واختلاف كلمة المسلمين فغلب على ظنه إن إخراج أبي ذر إلى الربذة أحسم للشغب وأقطع لأطماع من يشرئب إلى شق العصا، فأخرجه مراعاة للمصلحة ومثل ذلك يجوز للإمام، هكذا يقول أصحابنا المعتزلة وهو الأليق بمكارم الأخلاق فقد قال الشاعر:
إذا ما أتت من صاحب لك زلة * فكن أنت محتالا لزلته عذرا وإنما يتأول أصحابنا لمن يحتمل حاله التأويل كعثمان، فأما من لم يحتمل حاله التأويل وإن كانت له صحبة سالفة كمعاوية وأضرابه فإنهم لا يتأولون لهم، إذا كانت أفعالهم وأحوالهم لا وجه لتأويلها ولا تقبل العلاج والاصلاح. انتهي.
من المستصعب جدا التفكيك بين الخليفتين وبين أعمالهما، فإنهما من شجرة واحدة، وهما في العمل صنوان، لا يشذ أحدهما عن الآخر، فتربص حتى حين، وسنوقفك على جلية الحال.
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 ... » »»