الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٢٩٦
القوم حاجة فاحمله إليك. فكتب إليه عثمان يحمله فحمله على بعير عليه قتب يابس معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتى أتوا به المدينة قد تسلخت بواطن أفخاذه وكاد أن يتلف، فقيل له: إنك تموت من ذلك. فقال: هيهات لن أموت حتى أنفى، وذكر جوامع ما نزل به بعد ومن يتولى دفنه، فأحسن إليه في داره أياما ثم دخل إليه فجلس على ركبتيه وتكلم بأشياء وذكر الخبر في ولد أبي العاص: إذا بلغوا ثلاثين رجلا اتخذوا عباد الله خولا. ومر في الخبر بطوله وتكلم بكلام كثير وكان في ذلك اليوم قد أتي عثمان بتركة عبد الرحمن بن عوف الزهري من المال فنضت البدر حتى حالت بين عثمان وبين الرجل القائم فقال عثمان: إني لأرجو لعبد الرحمن خيرا لأنه كان يتصدق ويقري الضيف وترك ما ترون. فقال كعب الأحبار: صدقت يا أمير المؤمنين! فشال أبو ذر العصا فضرب بها رأس كعب ولم يشغله ما كان فيه من الألم وقال: يا ابن اليهودي! تقول لرجل مات و ترك هذا المال إن الله أعطاه خير الدنيا وخير الآخرة وتقطع على الله بذلك وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما يسرني أن أموت وأدع ما يزن قيراطا. فقال له عثمان: وارعني وجهك.
فقال: أسير إلى مكة. قال: لا والله. قال: فتمنعني من بيت ربي أعبده فيه حتى أموت؟
قال: أي والله. قال: فإلى الشام. قال: لا والله. قال: البصرة. قال: لا والله فاختر غير هذه البلدان. قال: لا والله ما أختار غير ما ذكرت لك ولو تركتني في دار هجرتي ما أردت شيئا من البلدان، فسيرني حيث شئت من البلاد. قال: فإني مسيرك إلى الربذة.
قال: الله أكبر صدق رسول الله صلى الله عليه وآله قد أخبرني بكل ما أنا لاق. قال عثمان: وما قال لك؟ قال: أخبرني بأني امنع عن مكة والمدينة وأموت بالربذة ويتولى مواراتي نفر ممن يردون من العراق نحو الحجاز وبعث أبو ذر إلى جمل له فحمل عليه امرأته و قيل ابنته، وأمر عثمان أن لا يتجافاه الناس حتى يسير إلى الربذة، فلما طلع عن المدينة ومروان يسيره عنها إذ طلع عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعه ابناه وعقيل أخوه وعبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر فاعترض مروان فقال: يا علي إن أمير المؤمنين قد نهى الناس أن يصحبوا أبا ذر في مسيره ويشيعوه فإن كنت لم تدر بذلك فقد أعلمتك.
فحمل عليه علي بن أبي طالب بالسوط بين أذني راحلته وقال: تنح نحاك الله إلى النار:
ومضي مع أبي ذر فشيعه ثم ودعه وانصرف، فلما أرادا الانصراف بكى أبو ذر وقال:
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»