والانكار، أما آن لك أن ترعوي؟! أما حان لك أن تتوب وتنيب؟! أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل؟! بلى - والله - ما أدكر أنك تذكر الموت بل تزدري بمن يذكر الموت، فما أظنك تقبل على قولي ولا تصغي إلى وعظي، بل لك همة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات، وتقطع لي أذناب الكلام، ولا تزال تنتصر حتى أقول: ألبتة سكت. فإذا كان هذا حالك عندي وأنا الشفوق المحب الواد فكيف حالك عند أعدائك؟!
وأعداؤك - والله - فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء، كما أن أولياءك فيهم فجرة وكذبة وجهلة وبطلة وعور وبقر، قد رضيت منك بأن تسبني علانية وتنتفع بمقالتي سرا [فرحم الله امرءا أهدى إلى عيوبي] فإني كثير العيوب غزير الذنوب، الويل لي إن أنا لا أتوب، ووافضيحتي من علام الغيوب، ودوائي عفو الله ومسامحته وتوفيقه وهدايته، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين (1).
فمن هنا وهناك بادوا عليه ما أبدعته يده الأثيمة من المخاريق التافهة والآراء المحدثة الشاذة عن الكتاب والسنة والاجماع والقياس ونودي عليه بدمشق: من إعتقد عقيدة ابن تيمية حل دمه وماله (2). فذهبت تلكم البدع السخيفة إدراج الرياح، كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
ثم قيض المولى سبحانه في كل قرن وفي كل قطر رجالا نصروا الحقيقة، وأحيوا كلمة الحق، وأماتوا بذرة الضلال، وقابلوا تلكم الأضاليل المحدثة بحجج قوية، وبراهين ساطعة، فجاءت الأمة الإسلامية تتبع الطريق المهيع. وتسلك جدد السبيل، تباعا وراء الكتاب والسنة، تعظم شعائر الله ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، إلى أن ألقى الشر جرانه، وجاد الدهر بولائد الجهل، وربتهم أيدي الهوى، وأرضعتهم أمهات الضلال، وشاخلتهم رجالات الفساد، وتمثلوا في الملأ بشرا سويا، وسجيتهم الضلال، فجاسوا خلال الديار وضلوا وأضلوا واتبعوا سبيل الغي وصدوا عن سبيل الله،