رسائل الشهيد الثاني (ط.ق) - الشهيد الثاني - الصفحة ١٢٧
ولهذا كانت الدنيا والآخرة ضرتين كلما قربت من إحديهما بعدت عن الأخرى فأجتهد في الحال في صرفه إليه وان عجزت عنه على الدوام ليكون قولك في الحال صادقا عسى ان يسامحك في الغفلة بعد ذلك وإذا قلت حنيفا مسلما فينبغي ان يحضر في بالك ان المسلم هو الذي سلم المسلمون من يده ولسانه فإن لم تكن كذلك كنت كاذبا فأجتهد ان تعزم عليه في الاستقبال وتندم على ما سبق من الأحوال وإذا قلت وما انا من المشركين فاحضر ببالك الشرك الخفي وان قوله تعالى فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا جعل من يقصد بعبادة ربه وجه الله وحمد الناس مشركا فاستشعر الخجلة في قلبك ان وصفت نفسك بأنك لست من المشركين من غير براءة من هذه الشرك فان اسم الشرك يقع على القليل والكثير منه فإذا قلت محياي ومماتي لله فاعلم أن هذا حال عبد مفقود لنفسه موجود لسيده وانه ان صدر ممن غضبه ورضاه وقيامه وقعوده ورغبته في الحياة ووهبته من الموت لأمور الدنيا لم يكن ملايما للحال الرابع القراءة ووظائفها لا تكاد تنحصر ولا يحيط بها قوة البشر وان اعتنى بشأنها يخرج عن وضع الرسالة لأنها حكاية كلام الله جل جلاله المشتمل على الأساليب العجيبة والأوضاع الغريبة والاسرار الدقيقة والحكم الأنيقة وليس المقصود منه مجرد حركة اللسان بل المقصود معانيها وتدبرها لتستفيد منها حكمة وحقايق واسرار وترغيبا وترهيبا وامرا ونهيا ووعدا وذكر أنبيائه ونعمه إلى غير ذلك من الفوائد فإذا قلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فاعلم أنه عدوك ومترصد لصد قلبك عن الله تعالى حسدا على مناجاتك مع الله تعالى وسجودك له مع أنه لعن بسبب سجدة واحدة تركها وان استعاذتك بالله منه بترك ما يحبه وتبدله بما يحب الله تعالى لا بمجرد قولك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فان من قصده سبع أو عدو وليفترسه
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست